الإجـراءات
بتاريخ الـ3 من آذار سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب كرسي القضاء الدستوري العليا ملف الدعوى رقم 45409 لعام 69 قضائية، بعدما حكمت محكمة القضاء الإداري بالعاصمة المصرية القاهرة (الدائرة الثانية) بجلسة 23/4/2016، بإيقاف الدعوى تعليقًا، وإحالتها بغير ضرائب إلى كرسي القضاء الدستوري العليا، للفصل في دستوريــة مقال البند الثالثة من المادة (62) من الدستور رقم 76 لعام 1970 بتأسيس نقابة الصحفيين.
وقدمت منظمة قضايا الجمهورية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد استعداد الدعوى، أودعت منظمة المفوضين توثيقًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو الموضح بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إنتاج الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
عقب الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
إذ إن الأحداث تتحصل – على ما يتبين من حكم الإسناد وكافة الأوراق – في أن المدعى كان قد تمنح بالترشيح لانتخابات التحديث النصفي لنقابة الصحفيين التي أجريت بتاريخ عشرين/3/2015، واحتوت النتيجة التي أعلنت عنها اللجنة المنظمة للعملية الانتخابية انتصاره بمقعد عضوية المجلس، سوى أنه فوجئ بقيام اللجنة باسترداد التصنيف مرة ثانية، مع الخلط بين الأمور في حاوية شخص، بما أفضى إلى تساويه مع المتنافس التالي له في مقر الأصوات، وإشعار علني مكسب الأخير بمقعد مجلس النقابة، الأمر الذي دعاه إلى مورد رزق الدعوى رقم 45409 لعام 69 قضائية، في مواجهة محكمة القضاء الإداري بالعاصمة المصرية القاهرة (الدائرة الثانية)، مقابل نقيب الصحفيين، طالبًا بصفة مستعجلـة إيقاف تأدية أمر تنظيمي اللجنة بإعـادة الفــــرز وما ينتج عن ذاك من آثار، أخصها نشر وترويج انتصاره بمقعد النقابة، وفى المسألة بإلغاء المرسوم المطعون فيه. وبجلسة 23/4/2016، حكمت المحكمة بإنهاء الدعوى، وإحالتها إلى كرسي القضاء الدستوري العليا للفصل في دستورية مقال العبارة الثالثة من المادة (62) من الدستور رقم 76 لعام 1970 بتأسيس نقابة الصحفيين، لما ارتأته من أن إحالة الفصل في المنازعة الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، بالرغم من طبيعتها الإدارية، إنما يحدث مخالفًا لنص المادة (190) من قانون سنة 2014، الذى خص مجلس الجمهورية دون غيره الاختصاص بالفصل في مختلف المنازعات الإدارية.
وإذ إن المادة (62) من الدستور رقم 76 لعام 1970 فيما يتعلق تشكيل نقابة الصحفيين وبإلغاء التشريع رقم 185 لعام 1955 بترتيب نقابة الصحفيين، قد نصت على أساس أنه “لوزير الإرشاد القومي أن يطعن في إستحداث الجمعية العامة وتشكيل مجلس النقابة، وله ايضا حق الطعن في الأحكام الصادرة من الجمعية العامة.
ولخمس المستعملين الذين حضروا لقاء جمعية المساهمين العامة حق الطعن في صحة انعقادها، وفى تأسيس مجلس النقابة.
ويحدث الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية) أثناء خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاد جمعية المساهمين العامة فيما يتعلق لأعضائها، ومن تاريخ الإبلاغ فيما يتعلق لوزير الإرشاد القومي (الموضوع المحال).
ويجب أن يكون الطعن مسببًا.
وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال عقب سماع أقوال الإدعاء العام، والنقيب أو من ينوب عنه، ووكيل الطاعنين، في جلسة سرية”.
وإذ إن الإدارة في الدعوى الدستوريـة، وهـى إشتراط لقبولهـــا، مناطها – على ما جرى فوقه قضاء تلك المحكمة – أن يكون هنالك ارتباط بينها وبين المصلحـة اللائحة في الدعوى الموضوعية، وهذا بأن يترك تأثيرا الحكم في الأمر الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر الهيئة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة بواسطة الدفع أو من خلال الإسناد، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحـرى توافر إشتراط الإدارة في الدعوى الدستورية للتثبت من محددات وقواعد قبولهـا. ومؤدى ذاك أن الإسناد من محكمة الشأن إلى كرسي القضاء الدستوري العليا لا تفيد بذاتها توافر الهيئة، لكن لازمه أن تلك الدعوى لا تكون مقبولة سوى بمقدار انعكاس الموضوع الشرعي المحال على الكفاح الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية ضروريًا للفصل في ذاك الكفاح. مثلما جرى قضاء تلك المحكمة حتّى الإدارة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في الأمر الدستورية ضروريًا للفصل في قضية كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذاك، وقد كان التشاجر المردد في مواجهة محكمة الأمر يدور بخصوص تعطيل تطبيق وإلغاء أمر تنظيمي لجنة انتخابات نقابة الصحفيين، بإرجاع تصنيف أوراق الإدلاء بصوته في الانتخابات التى أجريت بتاريخ عشرين/3/2015، وما ينتج عن ذاك من آثار أخصها إشعار علني مكسب المدعى في الدعوى الموضوعية بمقعد مجلس النقابة. وقد كان الفصل في اختصاص محكمة المسألة بنظر الطعن في الأمر التنظيمي المذكور هو من الأشياء المرتبطة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية هذه المحكمة في نظر التشاجر والفصل فيه، وبسبب ذاك كان الدفاع والمقاومة له أسبق بالضرورة على البحث في موضوعه. وحيث كان المقال المحال قد أسند الاختصاص بالفصل في ذلك الطعن إلى محكمة النقض (الدائرة الجنائية). وبالتالي، فإن الهيئة تكون متحققة فيما يتعلق لذا المقال بينما تضمنه من عطاء الاختصاص لمحكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالفصل في الطعن على تأسيس جمعية المساهمين العامة للنقابة، وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العامة للنقابة، بمثابها قسائم متساوية في شأن اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالفصل في الطعون المقامة عنها، بحسبان الفصل في دستوريته سوف يكون له أثره وانعكاسه على حسم قضية اختصاص محكمة القضاء الإداري التي تنظر الدعوى الموضوعية بالفصل فيها. وحيث نصت الفقـرة الأخيرة من المقال المحال حتّى “وتفصـل المحكمة في الطعن … في جلسة سرية”، وقد كان ذلك الحكـم يكون على ارتباط بالنص المحال ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التقسيم، الموضوع الذى يكون بصحبته مطروحًا حكمًا على تلك المحكمة.
وإذ إن حكم الإسناد ينعى على المقال المحال مخالفته مقال المادة (190) من قانون سنة 2014، التي حكمت بأن مجلس البلد ناحية قضائية مستقلة، ترتبط، دون غيرهــا، من جهـات القضاء بالفصل في مختلَف المنازعات الإدارية ….، وأن النقابات المهنية من شخصيات التشريع العام، وتقوم على هيئة مرفق عام، وبذلكَّ، فإن ما ينتج ذلك عنها من مراسيم تكون من طبيعة إدارية، الأمر الذي ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس البلد. وهكذا، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس البلد ليسند الاختصاص بنظرها إلى ناحية قضائية أخرى.
وإذ إن قضاء تلك المحكمة قد جرى حتّى المشرع الدستوري، بدايةًا من قانون سنة 1971 قد حرص على مساندة مجلس البلد، الذي بات منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه ناحية قضـاء لائحة بذاتها، محصنة مقابل أي تعدي أعلاها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا على يد المشرع المتواضع، وهو الذي أكده الإشعار العلني الدستوري الصادر بتاريخ ثلاثين/3/2011، الذى أورد الحكم نفسه في المادة (48) منه، وايضاً المادة (174) من التشريع الصادر بتاريخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190) من القانون الحاضر التي منصوص بها على أن “مجلس البلد ناحية قضائية مستقلة، يتعلق دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ……”. ولم يقف مؤازرة المشرع الدستوري لمجلس البلد لدى ذاك الحد، لكن جاوزه إلى محو القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من تشريع سنة 1971 مقالًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس عموم، وأن لجميع مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل البلد تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويمنع المقال في القوانين على تحصين أى عمل أو أمر تنظيمي إداري من مراقبة القضاء، وهو الذي انتهجه موضوع المادة (21) من الإشعار العلني الدستوري الصادر في ثلاثين/3/2011، ونص المادة (75) من التشريع الصادر في 25/12/2012، وقد سار التشريع الجاري على النهج نفسه في المادة (97) منه، وبالتالي سقطت جميع المواضيع الشرعية التي كانت تمنع الطعن في الأحكام الإدارية، وأزيلت جميع العقبات التي كانت تبدل بين المدنيين والالتجاء إلى مجلس الجمهورية بكونه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية. وحيث كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من القانون الحاضر إلى أن” ولا يقاضي فرد سوى في مواجهة قاضيه الطبيعي”، ولقد دل إلى أن ذلك الحق في مصدر شرعته هو حق للناس مختلَف تتكافأ فيه مراكزهم التشريعية في سعيهم لرد العدوان على مستحقاتهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون بينما بينهم في ميدان حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في ظل النُّظُم الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في ميدان التساقط بما يختص الحقوق المدعى بها على حسب معايير موحدة لدى توافر شروطها، حيث يجب مستديمًا أن يكون للخصومة الواحدة نُظم موحدة، ما إذا كان في ميدان اقتضائها أو الحماية عنها أو الطعن في القرارات التى تصدر فيها. وقد كان مجلس الجمهورية قد يوم غد بالأخذ في الإعتبار القرارات المتطورة قاضى الدستور العام، وذو الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في سائر المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه التشريع نفسه بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وإذ إن التشريع القائم قد موضوع في مادته (76) حتّى “إستحداث النقابات والاتحادات على مرجعية ديمقراطي حق يكفله الدستور، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتشارك في ترقية معدّل الجدارة بين أعضائها والدفاع عن مستحقاتهم، وتوفير حماية مصالحهم”. مثلما مقال في المادة (77) منه إلى أن “يضبط ويرتب التشريع تأسيس النقابات المهنية وإدارتها على مرجعية ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وكيفية قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في إعتياد أداء نشاطهم المهني، على حسبًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية…..”.
وإذ إنه باستعراض أحكام الدستور رقم 76 لعام 1970 المذكور يتبين أنه أنشأ نقابة للصحفيين في البلاد موضعها العاصمة المصرية القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز تشكيل أفرع لها في المحافظات، وحدد طريقة تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد ومحددات وقواعد العضوية، موضحًا ما للصحفى من حقوق، وما أعلاه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه لعمله.
وإذ إنه بما أن ذاك، وقد كانت نقابة الصحفيين تعد من شخصيات التشريع العام، وهي مرفق عام متخصص، وقد منحها دستور إنشائها حجمًا من السلطة العامة في ميدان مباشرتها لأعمالها، فإن الطعن في إستحداث الجمعية العامة، والانتخابات المرتبطة بإنشاء مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهزة الفهرس على تسيير شئونها، وكـذا الطعـون في الأحكام الصـادرة من جمعية المساهمين العامة، تُعد كلها بذلك الوصف منازعـات إدارية بطبيعتها. وبالتالي، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس البلد، بهيئة قضاء إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من القانون، والمادة العاشرة من دستور مجلس الجمهورية الصادر بقرار رئيس البلد بالقانون رقم 47 لعام 1972.
وإذ إنه بما أن هذا، وقد كان مقال البند الثالثة من المادة (62) من الدستور رقم 76 لعام 1970 المنوه عنه، قد عهد بالاختصاص بالفصل في الطعن في إنشاء جمعية المساهمين العامة لنقابة الصحفيين وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العامة إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، بصرف النظر عن أن تلك المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام محترف يستمتع بمقدار من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على ذلك النحو يكون مصادمًا لأحكام التشريع، الذى أضحى بمقتضاه مجلس البلد، دون غيره، هو ذو الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. وبذلك، يجسد ذاك الموضوع اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًا من اختصاص مجلس الجمهورية، فوق كونه يجسد مغادرةًا من المشرع عن مجال التزامه الدستوري المقرر بموجب موضوع المادة (92/2) من القانون، التي وضعت قيدًا عامًا على سلطة المشرع في ميدان تجهيز إعتياد أداء الحقوق والحريات، بألا يمس التنظيم الذى يصدق عليه منشأ الحق أو الحرية وجوهر، بما يوقع ذلك الموضوع في حومة مخالفة مواضيع المواد (92، 94 و97 و184 و190) من القانون.
وإذ إن المادة (187) من القانون منصوص بها على أن “جلسات المحاكم علنية، سوى إذا أصدرت قرار المحكمة سريتها انتباه للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الظروف يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”، بما لازمه أن المصدر في نظر الدعوى في مواجهة المحكمة الخاصة يكون في جلسة علنية”، واستثناءً من هذا المنبع، أجاز المشرع الدستوري نظر الدعوى في جلسة سرية، تجاوب لاعتبارات النسق العام أو الآداب، وجعل ثناء هذا للمحكمة الخاصة. سوى أنه قد استوجب، وفى جميع الأوضاع، النطق بالحكم في جلسة علنية. بما أن هذا، وقد كان عجز العبارة الأخيرة من الموضوع المحال قد جعل فصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية، وأتى ذاك الحكم عامًا مطلقًا ليشتمل على نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التي قررها القانون في ذاك الأمر، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من القانون، متعينًا برفقته القضاء بعدم دستورية بند “في جلسة سرية” الواردة بعجز ذلك الموضوع.
وإذ إن النيابة العامـة طبقًا لنص المادة (189) من التشريع تُعد جزءًا لا يتجزأ من القضاء السهل، وحيث اختتمت المحكمة في حين تمنح إلى القضاء بعدم دستورية الموضوع المحال في حين تضمنه من تم منحه الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في نظر الطعون المذكورة في حواجز المجال المار ذكره، المسألة الذي يستتبع وقوع فقرة “في أعقاب سماع أقوال الإدعاء العام” الواردة بعجز البند الأخيرة من المقال المحال، لارتباطهــا بالنص المقضي بعـدم دستوريته، ارتباطًا لا يقبـل الفصل أو التوزيع.
فلهذه العوامل
قضت المحكمة بعدم دستورية العبارة الثالثة من المادة (62) من التشريع رقم 76 لعام 1970 بتشكيل نقابة الصحفيين في حين نصت فوق منه من أن “ويحدث الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية)”، وفقرة “في جلسة سرية” الواردة بعجز البند الأخيرة من ذلك الموضوع، وتداعي بند “في أعقاب سماع أقوال الإدعاء العام” الواردة في العبارة الأخيرة من موضوع المادة المذكور.
Originally posted 2021-10-23 01:47:55.