الأعمال
بتاريخ الثانى والعشرين من تشرين الأول سنة 2009، أودع المدعى جرنال تلك الدعوى قلم كتاب كرسي القضاء الدستوري العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية مقال المادة(133) من دستور الضريبة على الكسب الصادر بالقانون رقم 91 لعام 2005.
وقدمت ممنهجة قضايا الجمهورية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تأهب الدعوى، أودعت جمعية المفوضين توثيقًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو الموضح بمحضر الجلسة، وفيها رِجل الجاري عن الجمهورية مذكرة، مناشدة في ختامها الحكم أصليًّا بعدم موافقة الدعوى، واحتياطيًّا برفضها، وقررت المحكمة إنتاج الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
في أعقاب الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
إذ إن الأحداث تتحصل – حسبما يتبين من مجلة الدعوى، ومختلَف الأوراق – في أن الإدعاء العام كانت قد أسندت إلى المدعى وآخر، في الدعوى رقم 59595 لعام 2008 جنح قسم المنتزه، أنهما في تاريخ أسبق على عام 2006، بدائرة قسم المنتزه – محافظة الإسكندرية:
1- أخفيا جزءًا من النشاط الخاضع للضريبة بغاية التهرب واستعملا وسائط احتيالية.
2- قدما التصديق الضريبى السنوى استنادًا لبيانات مخالفة.
3- امتنعا عن تقديم بيان بمزاولة النشاط.
وقدمتهما للمحاكمة الجنائية، بطلب عقابهما بالمواد (91/1، 187/ثانيًّا/1) من الدستور رقم 157 لعام 1981 بإصدار دستور الرسوم على الكسب، المعدل بالقانون رقم 187 لعام 1993 بإصدار دستور الضريبة الموحدة على الربح ولائحته التنفيذية، والمواد (6/3، 32/1، 74/1، والعبارة الأولى والعبارة (5) من البند الثانية من المادة 133، والعبارة الأولى من المادة 135) من دستور الضريبة على الربح الصادر بالقانون رقم 91 لعام 2005. وبجلسة 8/9/2009، حكمت المحكمة حضوريًّا بتوكيل، بتغريم جميع من المتهمين ألفى جنيه، وإلزامهما بتطبيق الضريبة المستحقة، وبدل إتلاف يعادل مثل الضريبة والنفقات. ولم يلق ذلك القضاء قبولاً عند المحكوم عليهما، فطعنا فوق منه في مواجهة محكمة جنح مستأنف المنتزه بمقتضى الاستئناف رقم 38584 لعام 2009، وبجلسة 17/عشرة/2009 دعوة الحاضــــر عن المدعى أجلاً لاتخاذ أفعال الطعن بعدم دستورية المادة (133) من الدستور رقم 91 لعام 2005 المذكور، فقدرت المحكمة جادة ذاك الدفع، وقررت الإرجاء لجلسة 25/عشرة/2009 لتقديم شهادة بما يفيد الطعن بعدم الدستورية، فأقام المدعى دعواه المعروضة.
وإذ إنه عن الدفع المبدى من جمعية قضايا البلد بعدم إستحسان الدعوى، على سند من أن المدعى قد إستقر الدعوى الدستورية المعروضة دون إشعار جلي من محكمة المسألة، فذلك مـــــردود بأن المقـــــرر في قضاء تلك المحكمة أنه ليس ضروريًا – في ميدان حمد جادة الدفع المثار في مواجهة محكمة الشأن – صدور مرسوم صريح لمن حرض الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، لكن يكفيها أن يكون قرارها في ذاك الموضوع ضمنيًّا مستفادًا من عيون الأوراق. وهكذا فإن تعليق محكمة الشأن الفصل في الاتهام المسند للمدعى وآخر، على تقديم شهادة بما يفيد الطعن بعدم الدستورية، بعدما أبدى المدعى دفعه بعـــدم دستوريـــــة المادة (133) من القانـــون رقـــم 91 لعام 2005 أمامهــــــــا، يُعد بيانًا له بإقامة الدعوى الدستورية.
وإذ إن تشريع الضريبة على الربح، الصادر بالقانون رقم 91 لعام 2005، قد وحط التنظيم العام لأحكام تلك الضريبة، وبعد أن حدد كل ما يتصل بأوضاع فرضها، واستحقاقها، وتحصيلهــــا، نظم في الكتاب الـ7 منه أحكام ما يتصل بتلك الضريبة من جرائم وعقوبات، فنص في المادة (133) إلى أن “يعاقب كل ممول تهـــــــــــرب من تأدية الضريبة بالسجن مرحلة ليست أقل من 6 شهور ولا تعدى خمس سنين وبغرامة تعادل مثل الضريبة التى لم ينهي تنفيذها بمقتضى ذلك التشريع أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويعد الممول متهربًا من تأدية الضريبة باستخدام واحدة من الأساليب التالية:
1 – تقديم الموافقة الضريبى الســــنوى بالاستناد إلى سجلات أو دفاتر أو حسابات أو وثائق مصطنعة مع علمه بهذا، أو تضمينه معلومات تخالف ما هو متين بالسجلات أو الدفاتر أو الحسابات أو الوثائق التى أخفاها.
2 – تقديم الإقـــــــــــــــــرار الضريبى السنوى على خلفية إنعدام وجود سجلات أو دفاتر أو حسابات أو ملفات مع تضمينـــــــــــــه معلومات تخالــــــــــف ما هو راسخ عنده من سجلات أو دفاتر أو حسابات أو ملفات أخفاها.
3 – العرقلة العمد للفهارس أو الوثائق ذات العلاقة بالضريبة قبل انقضاء الأجل المحدد لتقادم دين الضريبة.
4 – اصطناع أو تحويل كشوف حساب الشراء أو البيع أو غيرها من الملفات لإيهام الهيئة بقلة المكاسب أو تزايد الدمار.
5 – تخبئة نشاط أو جزء منه الأمر الذي يخضع للضريبة.
وفى وضعية العود يقضي بالسجن والغرامة معًا.
وفى جميع الأوضاع تجسد جناية التهرب من تأدية الضريبة جرم مخلة بالشرف والأمانة”.
وإذ إن مناط المنفعة الشخصية المباشرة – وهى إشتراط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون هنالك ارتباط بينها وبين الهيئة في الدعوى الموضوعية، ولذا بأن يكون الفصل في الأمر الدستورية أساسيًا للفصل في الطلبات الموضوعية المتعلقة بها والمطروحة على محكمة الأمر. ويتغيا ذلك الشرط أن تفصل كرسي القضاء الدستوري العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـــــــا العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو ايضاً يقيد تدخلهـــــا في هذه الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تطول لغير المطاعن التى يترك تأثيرا الحكم بصحتها أو بطلانها على الكفاح الموضوعى، وبالقدر الضروري للفصل فيه. متى كان هذا، وقد كان التشاجر المثار في الدعوى الموضوعية، الذى تمت إقامة الدعوى الدستورية بمناسبته، يدور بشأن تقديم المدعى للمحاكمة الجنائية، لاتهامه بارتكاب جناية تخبئة قسم من النشاط الخاضع للضريبة بغاية التهرب من تأدية الضريبة المقررة تشريعًا والمستحقة على أرباحه. وقد كان الدفع المبدى من المدعى في مواجهة محكمة الأمر قد انصب على مقال المادة (133) من دستور الضريبة على الربح الصادر بالقانون رقم 91 سنة 2005، وهو المقال الذى انصرف إليه إمتنان محكمة الشأن لجدية ذلك الدفع، وكلامها للمدعى بترقية الدعوى الدستورية طعنًا أعلاه، وانحصرت فيه طلباته النهائية التى ضمنها جرنال دعواه المعروضة، وهكذا فإن الهيئة الشخصية المباشرة في تلك الدعوى تكون متوافرة، فيما يتعلق للطعن على موضوع البند الأولى والفقرة (5) من البند الثانية من المادة (133) من التشريع المذكور – قبل استبدالها بالقانون رقم 11 لعام 2013 – وهو المقال المحدد لنطاق الحظر والعقاب المواجه به المدعى، الذى ارتكبت الأحداث المنسوبة إليه في حضور المجهود به، بحسبان الفصل في دستورية ذلك الموضوع سوف يكون ذا أثر وانعكاس على المسئولية الجنائية للمدعى، وقضاء محكمة الأمر في ذاك الموضوع، الموضوع الذى يتعين بصحبته القضاء بقبول الدعوى فيما يتعلق لذا المقال في حواجز نطاقه المتطور، دون أن يطول إلى ما ورد به من أحكام أخرى.
وإذ إن كرسي القضاء الدستوري العليا في مرة سابقة أن حسمت وجّه دستورية موضوع الفقرة (5) من العبارة الثانية من المادة (133) المطعون فيه، بحكمها الصادر في الدعوى رقم خمسين لعام 37 قضائية “دستورية” بجلسة 2/3/2019، الذى أمر برفض الدعوى، وقد نُشر ذاك الحكم بالجريدة الحكومية بعددها رقم (عشرة متكرر ب) بتاريخ 11/3/2019، وقد كان مقتضى مقال المادة (195) من القانون، ونصى المادتين (48، 49) من دستور كرسي القضاء الدستوري العليا الصادر بالقانون رقم 48 لعام 1979، أن تكون أحكام تلك المحكمة ملزمة للكافة، وجميع سلطات البلد، وتكون لهــــا حجيــة مطلقــة فيما يتعلق لهــم، باعتبارهــا قــولاً فصــلاً في المسألــة المقضــى فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى ناحية كانت، وهى حجية تغير بذاتها دون المجادلة فيه أو إسترداد طرحها فوقها مجددا لإعادة النظر فيها. متى كان هذا، وحيث في وقت سابق وأن حكمت هــــذه المحكمــة في الدعــــوى الدستوريــــــة المشــــار إليها برفض الدعــــوى المقامــة طعنًا على دستورية مقال العبارة (5) من البند الثانية من المادة (133) من الدستور رقم 91 لعام 2005 بما يختص الضريبة على الكسب، الذى يدخل في إطار مجال الدعوى المعروضة، فإن الخصومة الدستورية فيما يتعلق لذلك الموضوع، وهى مادية بطبيعتها، تكون قد انحسمت، الموضوع الذى يتعين برفقته القضاء بعدم موافقة الدعوى المعروضة في ذاك الشق منها.
وإذ إن المدعى ينعى على التقييم العقابى الوارد بنص البند الأولى من المادة (133) من التشريع المنوه عنه مخالفته لأحكام المواد (34، 38، 65) من القانون الصادر عام 1971، المواجهة لأحكام المواد (35، 38، 94) من القانون الحالى، ولذا بتضمنها إجراءات تأديبية جنائية مفرطة غير متدرجة، لا تناسب الجرائم المتغايرة الواردة بالفقرة الثانية من المقال نفسه، وتتناقض مع ضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم فوق منها النسق الضريبى في الجمهورية، وأنها أتت منتقصة من المركبات الغير سلبية للذمة المادية للممولين الخاضعين لأحكامها، دون أن تعطي القاضى أية سلطة تقديرية في تحديد الغرامة الحادثة.
وإذ إن من المعتزم في قضاء كرسي القضاء الدستوري العليا أن المراقبة على دستورية القوانين من إذ مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها التشريع، تخضع للقانون الأساسي الجاري دون غيره، حيث إن تلك المراقبة تستهدف أصلاً صون ذاك التشريع، وحمايته من الذهاب للخارج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد التشريع، وعلوها على ما دونها من النُّظُم التشريعية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم فوقها الجماعة، تقتضى سيطرة على القواعـــــــــــــــد الشرعية كلها – وأيًّا كان تاريخ الشغل بها – لأحـــــكام الدســـــــتور الجاري، لضــــــمـــــــــــان اتساقها والمفاهيم التى جاء بها، فـــلا تتفرق تلك النُّظُم في مضامينها بين نظـــــم مغايرة يناقض بعضها قليل منًا، بما يغير دون تدفقها على حسب المعايير الموضوعية نفسها التى تطلبها التشريع الجاري كشرط لمشروعيتها الدستورية. حيث كان ذاك، وقد كانت المناعى التى وجهها المدعى إلى المقال المطعون فيه تندرج في إطار المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة مقال تشريعى لقاعدة في التشريع من إذ محتواها الموضوعى، وبذلك، فإن كرسي القضاء الدستوري العليا تمارس رقابتها على دستورية مقال العبارة الأولى من المادة (133) من التشريع رقم 91 لعام 2005 المنوه عنه، بالأخذ في الإعتبار أحكام التشريع الجاري.
وإذ إن من المخطط في قضاء تلك المحكمة أن الضريبة بجميع صورها، تعتبر في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، وضْعها في ذاك شأن غيرها من المشقات النقدية التى انتظمها موضوع المادة (38) من التشريع، ويتعين بالتالى – وبالنظـــــــر إلى وطأتهـــــــــــــــا وخطورة قيمتها – أن يكون الإنصاف من وجهة نظر اجتماعى، مهيمنًا فوق منها بمختلف صورها، معينًا المحددات والقواعد الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن المفاضلة بينها دون عزر، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحراسة الشرعية المتوازنة التى كفلها التشريع للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها سوى معايير موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، وبذلك كان منطقيًا أن يُلزِم القانون في المادة (38) منه الجمهورية بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الجديدة التى تحقق الجدارة واليسر والإحكام في تحصيل الرسوم، ونص إلى أن يحدد الدستور أساليب وأدوات تحصيل الرسوم والرسوم، وصولاً إلى تحديد الملكية المحمل بعبئها والمتخذ حاويةً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر فيما يتعلق لهم الحادثة المنشئة للضريبة.
وإذ إن التشريع الحالى قد اعتمد بموجب مقال المادة (4) منه مبدأ الإنصاف، بمثابته بجانب مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لإنشاء المجتمع وتصليح وحدته الوطنية، وبدافع ذاك حرص التشريع في المادة (96) منه على جعله ضابطًا للمحاكمة التشريعية العادلة والمنصفة، التى يصون للمتهم فيها ضمانات الحراسة عن ذاته، فالعدالة الجنائية في صميم شكل وجهها – على ما جرى به قضاء تلك المحكمة – هى التى يتعين ضمانها بواسطة نُظم معينة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما لو كان المدعى عليه ثبت اتهامهًا أو بريئًا، ويفترض ذاك توازنًا بين منفعة الجماعة في استقرار أمنها، ومنفعة المدعى عليه في ألا تفرض أعلاه جزاء ليس لها من علاقة بفعــــــــــــــــــــــل أتاه، أو تتطلب تلك العلاقة إلى الدليل فوق منها، ولا يمكن من ثم أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التى تضمن لجميع مشتبه به حاجزًا أسفل من الحقوق التى لا يمكن الانخفاض عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بوجوب أن يستمر التحريم متعلقًا بالأغراض الختامية للقوانين العقابية.
وإذ إنه من المخطط في قضاء تلك المحكمة أنه يقتضي أن يقتصر العقوبة الجنائى على ذروته التصرف التى تكون ضارة بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يمكن التسامح مع من يعتدى فوق منها، هذا أن الدستور الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتشريع علائق الشخصيات بينما بين بعضهم بعضا، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، بل ذلك التشريع يفارقها في اتخاذه المعاقبة الجنائي وسيلة لحملهم على الوصول إلى الإجراءات التي يأمرهم بها، أو التنازل عن هذه التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذاك يتغيا أن يحدد من رأي اجتماعي ما لا يمكن التسامح فيه من أشكال سلوكهم، بما مؤداه أن العقوبة على أفعالهم لا يكون مخالفًا للقانون الأساسي، سوى لو أنه مجاوزًا حواجز اللزوم التي اقتضتها أحوال الجماعة في مدة من مدد تطورها، فإن كان تبريرًا من إتجاه اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
وإذ إن المجال الحقيقى لمبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء متعددة ضمانات، يأتى على قمتها ضرورة بلوَرة المقالات العقابية بكيفية بديهية معينة لا خفاء فيها أو إلتباس، فلا تكون تلك المواضيع شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات هدفها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، إلا أن اتساقًا بصحبتها ونزولاً أعلاها.
وإذ إن الضريبة – على ما جرى أعلاه قضاء تلك المحكمة – إنفاذ مادية تقتضيها البلد جبرًا من المكلفين بأدائها إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة ؛ ومن المدرج بالجدول أن اتخاذ العدالة الاجتماعية أكيدًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الجمهورية في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها من ضمنهم، بحسب دشن موضوعية يكون إنصافها نائيًّا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها. متى كان ذاك، وقد كان المعاقبة الجنائي الذى فرضه المشرع بالنص المطعون فيه، والذى رآه المدعى مغالاً فيه، إنما تم اتخاذ قرار لوجوب تبرره، وهى تنبه الممولين وحثهم على تقدير ومراعاة التزاماتهم الضريبية، وسدادها في المواقيت المقررة، وعدم تهربهم من أدائها، وهى جناية أثمتها المادة (38) من القانون، وتُعد في الكمية الوفيرة من الدول – ومن ضمنها جمهورية مصر العربية – من الجرائم المخلة بالشرف، وهذا توطيدًا للبلد من الاستمرار في تأدية الواجـبات والمهمات المعهودة إليها، وتسيير مرافقها العامة باضطراد واضطراد؛ وقد تم اتخاذ قرار ذاك المعاقبة كوسيلة ختامية وأخيرة لحمل الممول على الإخلاص بالتزامه الضريبى، وبعد تعدى الأطراف الحدودية التى يجوز التسامح فيها، بما لا يتبقى بصحبته عقب هذا عذر لعزوف الممول عن دفع الضريبة في المواقيت المقررة وتهربه من سدادها. وهكذا فإن تلك الجزاء لا تكـون متعمدة لذاتها، وإنما لتنقيح سلوك الشخصيات المارق، المنهى عنه جنائيًّا، على حسب نُظم موضوعية يتساوى الجميع في مواجهتها، وعلى يد وجهة نظر اقتصادي واجتماعي يصون تحري اهتمامات البلد، ولا يخل بحقوق الشخصيات، الأمر الذي يصبح برفقته توثيق ذلك العقوبة أساسيًا ونافعًا ومبررًا، تحريًا بشكل كبير من المعاقبة، وهى تحري الردع العام والخاص، وليس فيه – من فكرة دستوري – مخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية.
وإذ إن البين من أحكام التشريع 91 لعام 2005 بإصدار دستور الضريبة على الكسب أنه بعدما قام بإلغاء التشريع رقم 157 لعام 1981 برمته – أعاد مقر أحوال تلك الضريبة إجرائيًّا وموضوعيًّا، وأتى بنصوص مختلفة للقانون المنصرم في تحديده للأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، نابذًا إجراء تأديبي الجرم التي كانت مقررة بموجب مقال المادة (178) منه، مستبدلاً بها إجراء عقابي أخف وطأة هي جزاء الجنحة، وهى الحبس مرحلة ليست أقل من 6 شهور ولا تخطى خمس سنين، وغرامة تعادل مثل الضريبة التي لم يكمل تطبيقها، وأجاز للمحكمة الاكتفاء بالحكم بإحدى هاتين العقوبتين، على ما تقضى به أحكام البند الأولى من المادة (133) المطعون فيها. بما مؤداه أن التشريع الجديد قد جاء بعقوبات أخف وطأة من سابقه. ذاك إضافةً إلى أن جرائم التهرب الضريبي، وما توخاه المشرع من توثيق إجراء تأديبي لها على النحو المتطور – فكرةًا في ذاك إلى مداه – هو حمل الممولين على إيفائها فورا إلى الخزانة العامة لضمان تحصيلها، والتقليص من سعر جبايتها، فلا يتخلون عن إستيرادها، وإلا كان ردعهم ضروريًا حفاظًا على مبالغ مالية البلد. وبالتالي يكون هذا المعاقبة علةًا وهادفًا من إتجاه اجتماعية، وهو الذي يتفق مع القيم التى ارتضتها الشعوب المتحضرة والتي تؤكد بمضمونها رقى حسها، وتكون علامة على نضجها على يد تطورها.
وإذ إن التشريع القائم، حيث مقال في المادة (94) منه على خضوع البلد للقانون، وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات لازمة للدفاع عن الحقوق والحريـــات. مثلما شدد على تلك المبـــادئ في المادتين (184، 186) منه. خسر دلَّ حتّى الجمهورية التشريعية، هى التى تتقيد في عموم هيئات خارجية نشاطها، وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها، بقواعد شرعية تمتطي فوق منها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أنواعها المتغايرة. ذاك أن مزاولة السلطة، لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد، إلا أنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها. ولأن الجمهورية التشريعية هي ما يتوافر لجميع مواطن في كنفها، الضمانة الأولية لتأمين مسحقاته وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في محيط من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء بواسطة ضمان استقلاله وحصانته، لتكون القاعدة التشريعية محورًا لجميع ترتيب، وحدًّا لجميع سلطة، ورادعًا في مواجهة كل تعدي.
وإذ إنه من المخطط في قضاء تلك المحكمة أن الإجراء التأديبي التخييرية، أو استبدال جزاء أخف أو مخطط احترازي، بعقوبة أصلية أقسى – لدى توافر عذر شرعي جوازي مخفف للعقوبة – أو إنهاء تأدية عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة، إذا رأت المحكمة من الأوضاع الشخصية للمحكوم أعلاه أو الأوضاع الحسية التي لابست الجرم، ما يبعث على الاعتقاد بعدم الرجوع إلى مخالفة الدستور، على ما جرى به موضوع المادة (55) من دستور الغرامات، إنما هي أداوت شرعية يتساند القاضي إليها – وفق أوضاع كل دعوى – لتنفيذ مبدأ تفريد المعاقبة، وهكذا ففي الظروف التي يمتنع فيها إعمال واحدة من تلك الأدوات، فإن الاختصاص الصِرف بتفريد المعاقبة المعقود للقاضي، يكون قد استغلق فوق منه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته في حمد المعاقبة، ويفقده لب وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محروم في شئون العدالة والقضايا.
وإذ إن الإجراء التأديبي المقررة بالنص المطعون فيه، وهى الحبس مرحلة ليست أقل من 6 شهور ولا تعدى خمس أعوام، والغرامة التي تعادل مثل الضريبة التي لم يشطب تنفيذها، أو واحدة من هاتين العقوبتين، قد أتت في محيط من التدرج والتناسب والمعقولية؛ حيث أتت جزاء الحبس متدرجة بين حدين أسفل وأقصى، لتسمح لقاضى الشأن باطراد في إيقاعها، بحسبًا لما يقدره من خطورة الممول المتهرب، وجسامة ما أتاه من ممارسات التهرب. مثلما أن إجراء تأديبي الغرامة التي تعادل مثل الضريبة، التي لم يشطب تطبيقها على حسبًا لأحكام الدستور، فهي من المعقولية بموضع، بعدما صرت جاهــرة بعدالتها، حيث حرص المـرع بذاك التقـــرير لعقوبـــة الغرامـــة، وفـــق هذا التنظيم، أن يؤمن بها للخزانـة العامة، المبلـغ الذى كان يتعين على الممول سـداده، لو لم يرتكب حقاً من إجراءات التهرب من الضريبة، بدل إتلافًا للخزانة العامة عن الضرر الذى أصاب المنفعة الاجتماعية، نتيجة ذاك التهرب. وفضلاً عن ذاك، خسر أجاز الموضوع المطعون فيه للقاضي، الاختيار بين إبرام عقوبـة الحبس أو الغرامة. وقد أتى مسلك المشرع في ذاك في ظل السلطة التقديرية المقررة له، مثلما استقامت العقوبتان على نُظم تجعلهما ملاءمتين ومبررتين.
وإذ إنه عما نعى به المدعى من إخلال الموضوع المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية المخصصة، حيث أتت إجراء تأديبي الغرامة منتقصة من المكونات الموجبة للذمة المادية للممولين الخاضعين لها، فإنه غير صائب، ذاك أن الإخلال بالحماية المقررة لحق الثروة المختصة، بحسبًا لنص المادتين (33، 35) من التشريع الحاضر، لا يتحقق- في الأعم من الأوضاع – سوى بواسطة مواضيع شرعية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون لها من أساس عــادل، ولا سند تبرير لعزمها. ولا أيضاً الموضوع المطعون فيه، حيث من ضمن ما استهدفه المشرع من مراقبة إجراء تأديبي الغرامة في ذاك الموضوع تقصي الردع المخصص للمتهرب من تأدية الضريبة، بإيلامه بالانتقاص من ثروته بمقدار الضريبة التى تهرب من أدائها، حتى لا يستأنف ارتكاب الإثم نفسه، إجراء عقابيً وفاقًا لما اقترفته يداه، وهو الذي يردع غيره عن مجاراته في حين اقترفه من إثم، ويقدم في حاليا نفسه بدل إتلافًا عادلاً للخزانة العامة للبلد عن الضرر الذى أصاب المنفعة الاجتماعية نتيجة التهرب، ومن ثـــم فإن مراقبة إجراء عقابي الغرامة لمن يقترف ذاك الإثم لا يجسد افتئاتًا على الحراسة المقررة للملكية المخصصة.
متى كان ما تتيح، فإن المقال المطعون فيه، لا يكون قد خالف أحكام المواد (35، 38، 94) من قانون سنة 2014، مثلما لا يخالف أى أحكام أخرى من ذلك التشريع، الأمر الذي يتعين برفقته القضاء برفض تلك الدعوى.
وإذ إن محكمة جنح مستأنف المنتزه، ولئن ظلت في نظر الدعوى الموضوعية، ووجهت فيها بتأييد الحكم المطعون فيه، وقد كان يتعين فوقها – حتى الآن تقديرها جادة الدفع بعدم الدستورية وكلامها للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة – أن تتربص قضاء تلك المحكمة في الموضوع الدستورية، ألا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما اختتم إليه الحكم في الدعوى الدستورية برفضها.
Originally posted 2021-10-23 01:59:36.