عدم الوضوح في مقالات التشريع
من الممكن أن يكون الموضوع الشرعي مشوباً بعيب من الخلل والنقائص التي تجعله في عوز إلى التوضيح و من تلك الخلل والنقائص عدم الوضوح .
إن توثيق وضوح المقال أو غموضه هي عملية تقدير شخصي تتفاوت بإختلاف ماهرة المفسر , ولقد يظهر الموضوع واضحاً لمفسر , ويوضح غامضاً لآخر أصغر منه ذكية , لهذا فإن عملية التوضيح هي الكفيلة ببيان إلتباس الموضوع من وضوحه الأمر الذي يشير إلى أن عملية التوضيح هي عمل أسبق على الحكم على الموضوع بالوضوح أو الغرابة .(1)
وعلل عدم وضوح الموضوع الشرعي هي :-
أولاً:- عدم الوضوح الذي تقتضيه فن الصياغة الشرعية .
ثانياً :-عدم الوضوح الذي تقتضيه طبيعة الأمر .
ثالثاً :- عدم الوضوح الذي تقتضيه طبيعة اللغة نفسها .
أولاً:- الغرابة الذي تقتضيه فن الصياغة الشرعية
إن فن الصياغة القانونية , هو مجموعة الطرق والقواعد المستخدمة لصياغة الأفكار الشرعية والأحكام القانوني بكيفية تيسر تأدية التشريع من الناحية العملية , وهذا باستيغاب وقائع الحياة في قوالب لفظية تحقق القصد المأمول من السياسة التشريعية .(2)
وأكثر أهمية صفات الفن القانوني ما يلي :-
1- أن تكون الصياغة شاملة لما يراد تنظيمه هذه اللحظةً من الروابط التشريعية والى ما يترقب وقوعه في المستقبل .
2- أن تكون الفقرات اللغوية دقيقة تم اتخاذ قرار حلولاً متينة غير متغيرة .
3- أن تكون ميسرة التقدم في المرغوب منها بأن تتوافق مع المراكز النقدية التي من الممكن أن توضح في الجماعة.
فالتشريع الصحيح هو ما يمايز الصيغ الموائمة للوقائع التي ستطبق أعلاها القاعدة الشرعية , فإذا كانت الأمر الذي يفتقر الحسم والصرامة فلا بد أن تتسم الصياغة بالجمود مثل تحديد الجدوى , أما إن لم تفتقر الحسم والصرامة فتتصف بالمرونة والتي بدورها إمتد سلطة من يضطلع بـ تنفيذ القاعدة القانونية .(3)
ثانياً :- الإلتباس الذي تقتضيه طبيعة المسألة .
قد تقتضي طبيعة المسألة الذي يعالجه المشرع أن يتحاشى التعرض لأدق التفصيلات فيه لما يمتاز به من التمدد والدقة .
وقد يتعمد المشرع هذا أيضاًً لما تقتضيه شؤون سياسية أو اجتماعية فيبتر الموضوع أو يصوغه بلغة غامضة ويترك للقضاء استخلاص المعنى المقصود مع الدهر وعند حدوث الأحداث .(3)
ثالثاً :- الإلتباس الناجم عن القصور في اللغة والتعبير.
إذا ورد في المقال الشرعي لفظ أو فقرة الأمر الذي يحتمل زيادة عن معنى فرد نتج عندنا غموضفي الموضوع ناجم عن قصور في اللغة أو التعبير , الأمر الذي يستدعي اللجوء إلى التوضيح للوقوف فوق المقصود الحقيقي والأقرب لمراد المقال , كاللجوء الى توضيح مفهوم إصطلاح الليل وقتما يستعمله المشرع كظرف مشدد لعقوبة الإستيلاء .
والحقيقة أن أكثر أهمية حجة لذلك الغرابة هو وجود الألفاظ المشتركة ذات المعاني المتنوعة وما أكثرها في اللغة .(3)
وقد يجيء الغرابة لا من وجود الألفاظ المشتركة المعاني لكن من أسلوب المقال ذاته , لأن القارئ العادي يمكن له المفاضلة بين الفقرة الجلية والبند المقفولة , فالعبارة البديهية تصاغ بكيفية لين يمكن اعتقاد المقصود منهادن الاحتياج الى الفحص .أما الفقرة العصيبة فيكون أسلوب صياغتها متراكب اللفظ والتجميع .(3)
المبحث الـ2
الإلتباس في المواضيع التشريعية
تقسم الدلائل التشريعية الى قسمان :-
دلائل بنصوص وهي كتاب الله الخاتم والسنة النبوية الشريفة , وأدلة بغير مقالات وهي القياس والإستحسان .(1)
ولما كان بحثي عن شرح المواضيع فأقتصر الحوار عن شرح القرآن والسنة .(1) , ولذا مع ملاحظة أنه في أكثرية المسائل التي عالجها كتاب الله الخاتم عهد إلى الرسول (ص) وظيفة الخطاب وتحديد التفصيلات فجاءت سنتة الطاهرة في أكثرية الأحيان مفسرة ومبينة للمراد من مقالات كتاب الله الخاتم إذ أفاد هلم في قرآنه العظيم ( لتبين للناس ما إنخفض إليهم ) .(3)
وقد قسم الأصوليون المقالات القانونية الى مواضيع بديهية المغزى وأخرى غير بديهية الإشارة (3) , وهي التي تتضمن نص الغرابة لأن الموضوع أوضح المغزى لا عدم وضوح فيه .
فغموض الموضوع وفق ما توصل اليه الأصوليون يستأنف متعددة أسباب تسلب الوضوح من الموضوع وأكثر أهمية تلك العوامل ما يلي :-
1- الإشتباه في تأدية الموضوع على قليل من الأحداث والأفراد ( المقال الخفي ) .
2- تعقد الوصول الى معنى المقال سوى بقرينة ( الموضوع المشكل ) .
3- اجمال المقال أي خفاء المرغوب منه خفاء يعي سوى ببيان من المجمل (المقال المجمل ) .
أولاً :- المقال الخفي
الخفاء لغةً , هو عدم الظهور والتستر , أما إصطلاحاً ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة لا يحصل على الا بالطلب .
أن منبع الإلتباس في الموضوع الخفي هو تخصيص عدد محدود من الأشخاص باسم خاص به أو صعود في قليل من الشخصيات أو نقصان . إن تلك التسمية المختصة أو الزيادة أو قلة التواجد تحيط اللفظ بالإشتباه , فيصبح اللفظ الجلي في الإشارة على معناه خفياً فيما يتعلق الى ذلك الشخص المبتغى دراية حكمه , لأن ذاك الواحد لا يفهم من نفس اللفظ انه الأمر الذي يتناوله هذا اللفظ بالحكم إلا أن لا مفر من قضى خارجي , ولذا يحتاج حكم الخفي البصر والبحث والتأمل ليعلم المجتهد مكمن الخفاء ويعمل على محوه بواسطة العودة الى المقالات المرتبطة بالمسألة المعنية ورعاية التعليل وغايات الشريعة.(3)
ومن أمثلة الخفي في كتاب الله سبحانه وتعالى كلامه سبحانه ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) . غن لفظ السارق جلي في المغزى على معناه و هو إتخاذ الملكية المتقوم المملوك للغير خفية من حرز مثله . فكل من انطبق أعلاه ذاك المعنى عد سارقاً وطبق فوقه الحكم فلفظ السارق واضح فيه غير خفي , غير أنه خفي في الطرار وهو ما يأخذ الملكية من الناس باحترافية وخفة في يقظتهم .(3)
ثانياً:- المقال المشكل
المشكل هو ما أشكل على السامع سبيل الوصول الى المعاني لدقة المعنى في ذاته لا بعارض .والفرق بين المشكل والخفي هو أن الخفاء في المشكل يجيء من ذات اللفظ ولا يعي المرغوب منه ابتداءً الا بدليل من الخارج . أما الخفي فمنشأ خفائه من التطبيق .(3)
وينقسم المشكل بكون منبع أنواعه الى ثلاثة اقسام :-(3)
1- الاشكال الناشئ عن عدم وضوح في المعنى الممكن وقتما يحتمل اللفظ غفيرة معاني أو حالَما يستخدم المعنى المجازي للفظ من الألفاظ بين ذاك المعنى المجازي وبين معناه الحقيقي .
2- الاشكال الناشئ عن تضاد ظواهر المواضيع على معنى . أي أن كل موضوع يكون جلي المغزى على المرغوب منه إلا أن المعنى الذي يدل فوقه احد النصين يصطدم وما يدل فوق منه موضوع أحدث .
3- الاشكال الناشئ عن إلتباس المعنى المرغوب من اللفظ .
ومن الأمثلة الوفيرة على الموضوع المشكل الآية الكريمة ( وان طلقتموهن من قبل ان تمسونهن وقد فرضتم لهن تكليف فنصف ما فرضتم الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) .
إن المرغوب من ( الذي بيده عقدة النكاح ) يحتمل أن يكون القرين ويحتمل أن يكون الولي فلا بد من التأمل والإجتهاد لمغادرة الاشكال .
ثالثاً :- المقال المجمل
المجمل لغة هو الغامض وغير المستفيض, أما اصطلاحاً فهو لفظ لا يعي المرغوب منه الا ببيان المجمل ما إذا كان ذاك لتزاحم المعاني المتساوية الاقدام كالمشترك , أو لغرابة اللفظ أو لانتقاله من معناه الظاهري الى معنى اجدد غير واضح .
وموارد الاجمال مثلما اوردها الفقهاء ثلاثة :- (3)
1- ما كان اجماله ببب نقل اللفظ من معناه اللغوي الى معنى اصطلاحي خاص غير واضح اراده الشارع . كالزكاة والربا والبيع وغيرها من الألفاظ التي كان لها قبل الشأن القانوني محدد وأتت سنة النبي صلى الله عليه وسلم موضحة لها .
2- ما كان الاجمال فيه جراء تعدد المعاني المتساوية وتزاحمها مع وجود زوجة ترجح واحد من المعاني ومثال هذا لفظ العين الحالية والقرء المسألة للطهر والحيض .
3- ما كان اجماله ناشئاً عن إلتباس اللفظ في المعنى الذي استعمل فيه . ومثال هذا لفظ ( هلوع ) في تصريحه هلم (ان الإنسان خلق هلوعا ) والمراد به الحريص الجذوع , إلا أن استخدام الهلوع في ذاك المعنى غريب غير ممكن أدرك المرغوب منه دون خطاب ولذلك بينه الله سبحانه وتعالى بقوله (اذا مسه الشر جذوعا واذا مسه الخير منوعا ) .
ولكل ما تمنح فإنني توصلت الى نتائج وهي :-
1- أن عدم وضوح المقال يكون في موقف تكون فوقها بند الموضوع غير بديهية كل الوضح بحيث تحتمل التوضيح و التأويل إلى ما يزيد عن معنى ، يكون الموضوع في تلك الموقف مشوبا بعيب عدم الوضوح والإبهام ، ومهمة المفسر في تلك الوضعية هي أن يمايز بين المعاني المتغايرة التي يحتملها الموضوع المعنى الأكثر صحة والأقرب إلى الحق والصواب .
2- أن عدم الوضوح كغيره من عوامل التوضيح يتبين لنا عن طريق الشرح اللفظي كمرحلة أولى من مدد الشرح واذا لم يجد هذا لاستنباط الغرض من الدستور نلتجئ الى الشرح المنظقي للتوصل الى روح المقال والمراد منه .
3- قد لا يتضح الغرابة عند المفسر السطحي في حين احتمال ظهوره عند المفسر المتعمق اكبر.
4- أن الغرابة يكون مقصوداً من قبل الشارع في الموضوع الشرعي من وقت لآخر .
Originally posted 2021-11-26 16:39:11.