لقد لاحظنا أن معظم الناس تجهل أساليب فك الصلة الزوجية في دستور العائلة الجزائري أو على الأرجح عندها وجهة نظر سطحية و مبهمة عنها ،و لذا الدافع قررنا تفسير تلك الأساليب .
في البدء يتعين علينا توضيح مفهوم قسيمة الزواج في حاجز نفسه ،فعقد الزواج استنادا للمادة 04 من دستور العائلة هو إتفاق مكتوب رضائي يشطب بين رجل و إمرأة على الوجه التشريعي ،من أهدافه تكوين عائلة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب .
إلا أنه لأسباب متباينة و عدة قد تنتهي الرابطة الزوجية ،و تنتهي تلك الرابطة بما يتوافق مع قانون العائلة الجزائري من خلال واحدة من الأساليب اللاحقة : الهلاك ،فسخ العلاقة الزوجية ، التطليق ، الخلع ، فساد و بطلان الزواج .
إن الكيفية الأولى لفك العلاقة الزوجية هي مصرع واحد من الزوجين يحط حدا للعلاقة الزوجية طبقا للمادة 47 من تشريع العائلة ،و ذلك وجّه ظاهر ،و الأسلوب والكيفية الثانية لفك الصلة الزوجية هي فسخ العلاقة الزوجية ،
و فسخ العلاقة الزوجية طبقا للمادة 48 من دستور العائلة هو فك الصلة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج أو بإتفاق الطرفين أي القرين و القرينة سويا و ذاك ما يطلق عليه فسخ العلاقة الزوجية بالتراضي ،و يحدث فسخ العلاقة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج وقتما يستعمل الصيغة اللفظية المعبرة عن فسخ العلاقة الزوجية ثلاثة مرات متكررة ،و ذاك ما حكمت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17 / 02 / 1998 و قد أتى في المرسوم ما يلي » الثابت من الأمر التنظيمي المطعون فيه أن قضاة المجلس لما قضوا بالطلاق البائن تشييد على إخطار القرين أمامهم بطلاقه لزوجته ثلاثا ،فإنهم لم يخرقوا أحكام المادة 57 من دستور العائلة و طبقوا التشريع إنفاذا سليما ……(ملف رقم 176551 ) » .
و نشير أن القرينة لها الحق في إلتماس عوض عن الضرر التالي بها إذا تعسف القرين في فسخ العلاقة الزوجية أي أنه إذا نهض القرين بفك العلاقة الزوجية بلا سبب تشريعي أو انتقاما من القرينة أو أهلها و غيرها من أنواع التعسف و ذاك عملا بالمادة 52 من تشريع العائلة ، و نشير ايضا أنه يمكن للزوج توكيل طرف أجدد بهدف في الحال أفعال فسخ العلاقة الزوجية و في تلك الظرف يجب أن تكون الوكالة مكتوبة و خاصة طبقا لأحكام المواد 572 و 574 من الدستور المواطن الجزائري ، أما فسخ العلاقة الزوجية بالتراضي فيتم على يد عريضة مشتركة معركة من طرف القرين و القرينة جميعا استنادا لأحكام المادة 428 من دستور الممارسات المدنية الإدارية .
و الأسلوب والكيفية الثالثة لفك الصلة الزوجية هي التطليق ،و التطليق هو مطالبة القرينة بفك الصلة الزوجية بسبب وجود ضرر قانوني يبدل دون دوامية الحياة الزوجية ،فالتطليق هو حق مخطط للزوجة ،و قد لفتت المادة 53 من تشريع العائلة كمثال على هذا و ليس على طريق الحصر إلى قليل من عوامل التطليق، ولقد نصت المادة 53 على ما يلي » يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب التالية :
1 – عدم الإنفاق حتى الآن صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج ،مع انتباه المواد 78 و 79 و ثمانين من ذاك الدستور .
2 – الخلل والنقائص التي تغير دون تحري المقصد من الزواج 3- الهجر في المضجع فوف 4 شهور 4 – الحكم على القرين عن جرم فيها مساس بشرف العائلة و تستحيل برفقتها متابعة العشرة و الحياة الزوجية
5 – الغيبة حتى الآن مرور سنة بلا عذر و لا نفقة 6 – مخالفة القرارات الواردة في المادة 8 بالأعلى 7 – إرتكاب فاحشة موضحة 8 – الشقاق المطرد بين الزوجين9 – مخالفة المحددات والقواعد المتفق فوق منها في قسيمة الزواج عشرة- كل ضرر معتبر شرعا » .
و نشير أنه يحدث على عاتق القرينة إثبات وجود واحدة من تلك الحالات التي تقوم بتبرير التطليق ،مع الأخذ في العلم أن القاضي عنده سلطة تقديرية واسعة لتقرير ما حيث كان دعوة القرينة في التطليق دافع أم لا ، و هنا نلفت التنبه إلى صعوبة إثبات القرينة لتلك الحالات ،لأن إثبات تلك الحالات يحتاج إتباع أفعال معقدة و يستغرق هذا مرحلة زمنية طويلة و النتيجة غير مشددة على ،فالقاضي مثلما قلنا عنده سلطة تقديرية لقبول أو رفض دعوة التطليق ،
و هذا من باب فريضة الإشراف على عدم تسعف القرينة و قد تم إصداره من المحكمة العليا عديدة مراسيم في ذاك الأمر ،خسر نشرت المحكمة العليا مرسوم بتاريخ في 25 / 02 / 1985 أتى فيه » إذ أن القرينة المطعون إزاءها طلبت التطليق بدعوى أن قرينها حظرها من السفر إلى دولة الجمهورية الفرنسية لزيارة أهلها ، و ذاك ليس داخلا في باب الضرر و لا تطلق بموجبه …… ( ملف رقم 35891 ) » ، و لذلك لاحظنا في الحياة العملية في مواجهة الجهات القضائية لجوء معظم الزوجات الراغبات في فك العلاقة الزوجية إلى أداة الخلع بمقابل التطليق .
و تجدر الملاحظة حتّى زواج الرجل من قرينة الثانية دون الاستحواذ على إذن من القرينة الأولى و دون أن يخطر القرينة الثانية بأنه له قرينة أولى استنادا للعمليات المنصوص فوق منها في المادة 08 من تشريع العائلة تشكل موقف تقوم بتبرير التطليق ،فكل من الزوجتين هنا لهما الحق في إلتماس التطليق .
و نشير أنه يحق للزوجة طبقا للمادة 53 متكرر من تشريع العائلة أن تطلب وبدل الإتلاف عن الضرر الآتي بها و التي دفعها الى إلتماس التطليق ،و هنا كذلكً القاضي يتلذذ بسلطة تقديرية في عطاء وبدل الإتلاف أم لا ،لأن التطليق و بعكس ما يعتقده عامة الناس لايجعل من مناشدة وبدل الإتلاف كلف حتمي و تشريعي طول الوقت ،فالقاضي قد يصدق على إلتماس التطليق و لكنه قد يرفض مناشدة والعوض المقدم من طرف القرينة ،
و في ذاك الأمر تم إصداره من المحكمة العليا أمر تنظيمي مؤرخ في 13 / 01 / 2011 أتى فيه » إذ أن مرض العقم و عدم التمكن من الولادة ،و لو كان بالفعل يشكل سببا من عوامل التطليق طبقا للمادة 53 من تشريع العائلة ،و يخول للزوجة الحق في المطالبة به ،فهو لا يحمل القرين الجريح به أية مسؤولية عن صرف وبدل الإتلاف لها عنه ،لأن لا دخل لإرادته فيه …..(ملف رقم 596191 ). »
الكيفية الثالثة لفك العلاقة الزوجية هي الخلع ،و الخلع طبقا للمادة 54 من تشريع العائلة هو حق مخطط للزوجة يخولها فك العلاقة الزوجية دون إستحسان القرين ،و هذا بمقتضى بدل مالي تدفعه للزوج ،و إن لم يتفق الطرفان بشأن المبلغ ،يقوم القاضي بتحديد ذلك المبلغ المالي في ما يتعلق بـ صداق المثل ،
أي بعبارة أخرى القرينة الراغبة في الخلع أعلاها أن ترد مِقدار الصداق لزوجها ،فإذا لم يكن مِقدار الصداق غير مذكور في قسيمة الزواج و حدث خلافه بخصوص تكلفته بين القرين و القرينة، يتدخل القاضي في تلك الظرف و يقوم بتحديد مِقدار الخلع على خلفية الصداق المعروف ومتفق عليه بين الناس و الأكثر إنتشارا ،و هو الذي يعلم بصداق المثل .
فالخلع مثلما ذكرنا يشطب دون رضى القرين ،ذاك ما أكدته المحكمة العليا ،خسر صدر أمر تنظيمي عن المحكمة العليا بتاريخ 21 / 07 / 1992 أتى فيه » إن المادة 54 من تشريع العائلة تجيز للزوجة بمخالعة ذاتها من قرينها على ملكية دون تحديد نوعه مثلما يتفق الطرفان إلى أن لا يتخطى ذاك تكلفة صداق المثل وقت الحكم دون الإلتفات إلى عدم إستحسان القرين بالخلع الذي تطلبه القرينة لأن ذاك يفتح الباب للإبتزاز و التعسف الممنوعين شرعا … ( ملف رقم 83603 ) «
و شددت ايضاًً المحكمة العليا أن الخلع هو حق مرتب للزوجة عقب الدخول و ليس قبله ،ولقد عرضت المحكمة مرسوم بتاريخ 14 / 06 / 2006 أتى فيه » أن الحكم بقالة الطعن خالف الدستور و أساء تنفيذه ،ذاك لأن مناشدة الخلع غير ممكن للزوجة أن تطالب به قبل الدخول ،إلا أن يمكنها أن المطالبة به لاغير عقب الدخول …… ( ملق رقم 258613 ) « ،مثلما أن القرينة التي تسلك سبيل الخلع لا يحق لها المطالبة بالتعويض مثلما هو الوضع في التطليق و فسخ العلاقة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج .
و ينبغي أن نعلم أن جميع من فسخ العلاقة الزوجية و التطليق و الخلع يشتركون في ضرورة الصلح ،فالمادة 49 من دستور العائلة ألزمت القاضي بوجوب فعل عديدة مساعي صلح قبل الحكم بفك الصلة الزوجية من خلال فسخ العلاقة الزوجية أو التطليق أو الخلع، و نشير أنه لابد على الطرف الذي يطلب فك العلاقة الزوجية سواءا كان القرين أو القرينة الحضور لجلسة الصلح و ذاك ما أكدته المحكمة العليا في مرسوم صادر بتاريخ 14/ 01/ 2009 أتى فيه »
إذ يتبين من الإطلاع على الحكم حانوت الطعن أن الطاعن غاب جلسة الصلح ،لكن أناب أعلاه محاميه لتمثيله في مواجهة محكمة الدرجة الأولى ،ليصرح في مواجهتها بأنه يرفض الصلح الذي طالبت به المحكمة ….. إلا أن إذ أن إجتهاد المحكمة العليا ثبُت على ضرورة قدوم القرين الذي إلتماس بفك الصلة الزوجية في جلسة الصلح شخصيا مع إظهار طلباته ،في وضعية غيابه ترفض دعواه …… ( ملف رقم 474956 ) » .
و في نص الصلح نضيف أن قاضي المحكمة هو المكلف بجلسة الصلح و ليس قاضي المجلس ،و قد لاحظنا على أرض الواقع العملي إكتفاء القاضي بجلسة صلح واحدة في أكثرية الأحيان بالرغم من أن 49 من تشريع العائلة لفتت إلى وجوب إتفاق مكتوب غفيرة تجارب صلح ،ولكن المحكمة العليا تدخلت في ذلك المسألة و أيدت لجوء القاضي إلى جلسة صلح واحدة ،خسر صدر مرسوم عن المحكمة العليا بتاريخ 14 / 04 / 2011 أتى فيه » إذ بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه ،يتبين أن قاضي الأمر أجرى مسعى الصلح بين الزوجين و إتفاق مكتوب لذا جلسة بتاريخ ثلاثين تشرين الثاني 2008 ،تمسك فيها الزوجان بمطالبهما ،و هكذا فإن الفعل المقرر في المادة 49 من تشريع العائلة تم إستنفاذه و لا يعيب على الحكم إكتفاؤه بجلسة صلح واحدة ما دام أن القاضي إقتنع بعدم فائدة تم عقده جلسات صلح أخرى …. ( ملف رقم 620084 ) »
و الأسلوب والكيفية الخامسة و الأخيرة لفك الصلة الزوجية هي جراء فساد و بطلان الزواج ،و يمكن تسمية تلك الأسلوب والكيفية وفق إعتقادنا بفك العلاقة الزوجية بشدة التشريع لأن الزواج في تلك الموقف مخالف لأحكام الإطار العام و الأداب العامة ، خسر أكل تشريع العائلة الزواج التالف و الباطل من المادة 32 إلى المادة 35 ،و لم يفرق المشرع الجزائري بين الزواج التالف و الباطل، فالزواج الذي ينهي بلا تراضي أو ولي القرينة أو دون تواجد شاهدين أو دون صداق هو زواج باطل إن لم يكمل الدخول ، أما إذا تم الدخول فهذا الزواج يثبت بدفع صداق المثل أي أنه يصحح و هذا حرصا على الصلة الزوجية التي تنبثق بين القرين و قرينته وربما توخيا لـ هيئة الولد لأن القرينة من الممكن أن تكون حامل عقب الدخول .
أما الزواج بإحدى المحرمات كالزواج من الشقيقة أو الخالة و غيرها من الإناث المحرمات بالقرابة أو المصاهرة أو الرضاع ،ذلك الزواج باطل و تالف سواءا حدث الدخول أم لا ،أي أنه يقتضي فسخ ذلك الزواج ،و الأثر الأوحد المترتب عنه هو ثبوت النسب في وضعية ميلاد غلام من ذلك الزواج .
و يجوز للقاضي من تلقاء ذاته أن يقضي بفك علاقة الزواج التالف و الباطل إلا أن يجوز لجميع ذي صلحة أن يطلب فك علاقة الزواج التالف و الباطل كأقارب الزوجين مثلا ،إلا أن حتى الإدعاء العام لها الحق في التدخل و إلتماس فك العلاقة الزوجية ،بإعتبار أن الزواج التالف و الباطل قد يشكل في نفس الزمن جناية يعاقب فوق منها تشريع الغرامات فزواج الشقيق بأخته يشكل جرم زنا المحارم المجازى فوق منها بمقتضى المادة 337 متكرر من تشريع الإجراءات العقابية الجزائري ،صعود على ذاك تعد الإدعاء العام بمقتضى المادة 03 متكرر من دستور العائلة طرف أصلي في قضايا شوؤن العائلة الأمر الذي يعطيها الحق في التدخل .
و من ثم كنا قد أعطينا إيضاح ملخص و ملحوظ عن أساليب فك الصلة الزوجية في دستور العائلة الجزائري، معتمدين في ذلك على وضعية المحكمة العليا بخصوص غير مشابه تلك الأساليب ،و سنحاول في المواضيع المقبلة التطرق إلى نصوص أخرى لها رابطة بقانون العائلة الجزائري ،نتيجةً للتركيز المتصاعد لعامة الناس بشأن ظرف الدستور إزاء قضايا أمور العائلة .
Originally posted 2021-11-26 16:53:47.