شرح تشريعي للنظريات التقليدية في شرح مفهوم الحق.
ثمة ثلاث نظريات تقليدية حاولت شرح مفهوم الحق :
فمن الفقهاء من نظر إلى الحق بواسطة صاحبه أي صاحب الحق , و هذه هي النظرية الشخصية , أونظرية الإرادة ؛
و منهم من نشد شرح مفهوم الحق بالنظر إلى موضوع الحق , و هذه هي النظرية الموضوعية ؛
و منهم من ثبُت شرح مفهوم الحق بالنظر إلى صاحبالحق و موضوع الحق جميعاً , و هذه هي النظرية المختلطة .
النظرية الشخصية أو نظرية الإرادة
أولاً : مضمون النظرية :
ينظر أنصار النظرية الشخصية إلى الحق على يد واحد صاحبه , فيعرفون الحق بأنه :
” قدرة أو سلطة إرادية يخولها التشريع لشخص من الشخصيات في إطار واضح ” .
و ترتبط هذه النظرية ارتباطاً وثيقاً بالمذهب الفردي و ما ينادي به من مبدأ سلطان الإرادة .
و من هذا التعريف نجد أن صميم الحق عند أنصار هذه النظرية هو إرادة الشخص , فلا يظن الحق بدون إرادة , و على ذاك فإن الدستور لا يستطيع أن يفرض أي حق على إنسان إلا إذا أراده .
ثانياً : نقد النظرية :
لقد تعرضت النظرية الشخصية لنقد صارم من الفقه , على النحو التالي :
1 ـ إن القول بأن الحق تمكُّن أو سلطة إرادية يتعارض مع الواقع , هذا أنه يربط وجود الحق بالإرادة , بينما أنه قد يوجد حتى دون أن توجد الإرادة لدى صاحبه , فالمجنون و الصغير غير المميز يتمتع كل منهما بحقوق يعترف بها الدستور بصرف النظر عن أنه عديم الإرادة , و لو كانت الإرادة هي لب الحق لما أمكن الاعتراف لهما بأي حق .
2 ـ كما أن الحق قد يثبت لصاحبه دون تدخل من إرادته أو دون علمه ,
كالوارث الذي تثبت له الحقوق في تركة مورثه بمجرد وفاة المورث و دون تدخل إرادته , وايضاًًً الغائب الذي قد ينال حقوقاً دون علمه .
3 ـ إن شرح مفهوم النظريةالشخصية للحق يجعل من المتعذر الاعتراف للشخصيات المعنوية أو الاعتبارية بإمكانية اكتساب الحقوق , لأنه يصعب التسليم بتوافر الإرادة الحقيقية لهذه الأفراد .
4 ـ إن هذه النظرية تخلط بين وجود الحق و استعماله :
فالحق يوجد و لو من دون إرادة صاحبه .
و لكن فورا هذا الحق أو استعماله قد يستلزم وجود الإرادة , و حينئذ لا يكون وجود الإرادة شرطاً لقيام الحق , و إنما يكون شرطاً لاستعماله , و مع ذاك , فإن هنالك حالات لا يستلزم استعمال الحق فيها وجود الإرادة , فالمجنون يستعمل حق ملكيته حين يسكن منزله أو يعلو سيارته بالرغم من كونه عديم الإرادة .
النظرية الموضوعية أو نظرية المكسب
أولاً مضمون النظرية :
ينظر أنصار هذه النظرية إلى الحق بواسطة موضوعه و الغاية منه , و لذا يعرفون الحق بأنه :
” جمعية يحافظ فوق منها القانون ” .
فالحق يتكون من عنصرين متلازمين :
A ـ عنصر موضوعي هو النفع أو الفائدة التي يحققها الحق لصاحبه , و هذه المصلحة على الأرجح أن تكون مادية أو معنوية ؛
B ـ و عنصر شكلي عبارة عن الدفاع القانونية للحق أي الدعوى القضائية .
ثانياً : نقد النظرية :
ر غم أن هذه النظرية قد لاقت قبولاً في يسير من الأوساط القانونية , إلا أنها لم تلقى من النقد , فقد قيل نقداً لهذه النظرية أنها :
1 ـ تعرف الحق بهدفه و الغاية منه و هي الهيئة , و غير ممكن تفسير مفهوم الشيء بغايته و إنما بجوهره , و ليس جوهر الحق هو الإدارة أو النفع التي يكتسبها صاحب الحق , لأن الحق ما هو إلا وسيلة لتحقيق الفائدة . و لذلك لا من الممكن أن تدخل المصلحة في خطاب ماهية الحق .
2 ـ و لو كان صحيحاً أن الحق يتضمن فائدة , فإن العكس غير صحيح , إذ ليست كل فائدة تعتبر بشكل فعليً , فهناك مصالح معينة لا ترقى إلى منزلة الحق , فمثلاً حين تفرض الدولة رسوماً جمركية على عدد مقيد من الوارادت الأجنبية حماية للصناعة الوطنية , فإن هذا يحقق منظمة مشددة على للمنتجين الوطنيين , و بل هذه المصلحة لا ترتفع إلى منزلة الحق الذي يمكن المطالبة به أما القضاء .
3 ـ إن هذه النظرية تجعل من الحراسة القانونية أو الدعوى عنصراً ثانياً في الحق , في حين أن الحماية القانونية هي نتيجة أو أثر لوجود الحق .
فالحماية لاحقة على نشـوء الحق , و غير جائز اعتبارها عنصراً لوجوده , فالحق لا يعتبر فعلياً لأن القانون يحافظ فوق منه بدعوى , و إلا أن الصحيح أن القانون يحافظ فوقه بدعوى لأنه لاحق .
النظرية المختلطة
إزاء وجهات النظر الناقدة الماضية للنظريتين الشخصية و الموضوعية , وجدت نظرية أخرى تقوم على الجمع بين نظريتي الإرادة و المصلحة , و هذا بالنظر إلى الحق عن طريق صاحبه و من خلال موضوعه أو الغرض منه على حد سواء .
لكن أنصار هذه النظرية اختلفوا بينما بينهم بصدد ترجيح الإرادة أو الفائدة في شرح مفهوم الحق :
فبعضهم يغلب عنصر المصلحة على عنصر الإرادة , فيعرف الحق بأنه :
” ممنهجة تحافظ فوق منها سلطة إرادة الإنسان ” .
و القلة الآخر يغلب دور الإرادة على دور المنفعة , فيعرف الحق بأنه :
مقدرة أو سلطة إرادية يعترف بها القانون و يحافظ فوق منها , لشخص من الأفراد , في سبيل تحقيق مكسب معينة .
و سواء أكان الحق فائدة تحافظ عليها الإرادة أو كان إرادة في سبيل تحري منظمة , فإن هذه النظرية لا تضيف جديداً في الكشف عن صميم الحق , و لذلك على الأرجح أن إتجه إليها ذات الافكار الناقدة التي وجهت إلى النظريتين السابقتين .
فالحق ليس الإرادة , كما أنه ليس المنفعة , و غير ممكن اعتباره مركباً من المصلحة و الإرادة معاً , و لذا ظهرت نظرية عصرية حاولت أن تكشف عن لب الحق و خصائصه الذاتية ذات الخصائص المميزة .
Originally posted 2021-10-22 21:39:35.