الطعن رقم 2460 لعام 49 القضائية
(1) اختصاص “الاختصاص الولائي”. دستور “تفسيره” .قضاء عسكري. نقض. “عوامل الطعن. ما لا يقبل منها”.
اختصاص المحاكم العادية بكافة المنازعات والجرائم، سوى ما موضوع على انفراد غيرها به. المحاكم العسكرية. محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي. مناط اختصاصها. اختصاص المحاكم العادية – بصحبتها – بمحاكمة الخاضعين لقانون جمعية قوات الأمن.
(2) صلة السببية. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
رابطة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها. تقديرها. موضوعي. مثال لتسبيب سائغ على توافر علاقة السببية بين الكرب والوفاة.
(3)نقض. “السمة والإدارة في الطعن” “عوامل الطعن. ما لا يقبل منها”. جزاء. “المعاقبة المبررة”.
انعدام منفعة الطاعن في المجادلة في توافر صلة السببية بين الكرب والوفاة، ما ظلت الإجراء التأديبي المعركة فوق منه تدخل في الأطراف الحدودية المقررة لجريمة عنف بدني مشتبه به بغرض حمله على الاعتراف مجردة من موقف الموت.
(4) إثبات “شهود”. محكمة المسألة “سلطتها في حمد الدليل” دفاع “الإخلال بحق الحماية. ما لا يوفره”.
وزن أقوال الشهود وتقييم الأحوال التي يؤدون فيها شهاداتهم. موضوعي.
(5) حكم “معلومات التسبيب”. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. إثبات “شهود”.
قلة التزام المحكمة بسرد حكايات الشاهد المتنوعة حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. لها أن تستند على أقوال الشاهد في أي فترة من فترات الدعوى، ما ظلت قد اطمأنت إليها.
تضارب الشاهد في أقواله أو مع غيره. لا يعيب الحكم، متى كانت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من هذه الأقوال، بما لا تناقض فيه.
(6)دفاع “الإخلال بحق الحراسة. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
المطلب الجازم. ماهيته؟. مثال لطلب غير جازم.
(7)حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم انضباط المحكمة بالتحدث في حكمها سوى عن الدلائل ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
(8)موظفون عموميون. إيذاء مشتبه به بغرض حمله على الاعتراف. جناية “أركانها”. غاية جنائي. باعث.
الغاية الجنائي في جناية عنف بدني مدعى عليه بغاية حمله على الاعتراف. مناط تحققه. تقديره موضوعي.
(9) محكمة الشأن. “سلطتها في عرفان الدليل”. إثبات. “بوجه عام”. “حيثيات”.
حق محكمة الشأن في أن تستنبط من الأحداث والقرائن ما يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي اختتمت إليها.
—————-
1 – من الترتيب أن القضاء البسيط هو المنشأ وأن المحاكم العادية هي الخاصة بالنظر في كل الإدعاءات الناشئة عن ممارسات مكونة لجريمة استناداً لقانون الإجراءات العقابية العام مهما كان واحد مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست سوى محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما ميزة الجرائم التي تنظرها وإما واحد مرتكبها على خلفية ملمح محددة توافرت فيه وأنه وإن أجاز تشريع القرارات العسكرية رقم 25 لعام 1966 وقانون جمعية قوات الأمن رقم 109 لعام 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من صنف محدد وشكوى قضائية نوع خاصة من المتهمين، سوى أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي دستور أحدث نصاً على انفراد ذاك القضاء بالاختصاص على نطاق سائر مدد الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجرم التي أسندت إلى الطاعن مجازى فوق منها بالمادتين 126، 234/ 1 من دستور الإجراءات التأديبية، وقد كانت الإدعاء العام قد قدمته إلى البلاغ القضائي العادية ولم يتخذ قرار القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذاك ينعقد للقضاء الجنائي المتواضع وما يثيره الطاعن في ذاك الأمر يكون في غير محله.
2 و3 – بما أن من المعتزم أن صلة السببية في المواد الجنائية رابطة مالية تبدأ بشكل فعلي الذي اقترفه الجاني وتختص من الناحية المعنوية بما يقتضي أعلاه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وتلك الرابطة قضية موضوعية ينفرد قاضي الشأن بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا إشراف لمحكمة النقض أعلاه طالما قد إستقر قضاءه في هذا على عوامل تتسببفي ما اختتم إليه، وحيث كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر رابطة السببية بين إجراءات العذاب التي ارتكبها وبين النتيجة التي اختتمت إليها تلك الأعمال وهي موت الضحية في كلامه: “ولما كانت المحكمة تشاهد توافر صلة السببية بين تصرف العنف البدني الذي وقعه المدعى عليه بالمجني أعلاه وبين النتيجة التي اختتم إليها ذلك العذاب وهي وفاة من وقع في حقه الجرم غرقاً فإن حكم العبارة الثانية من المادة 126 من تشريع الإجراءات التأديبية يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذاك أن تصرف العنف البدني الذي باشره المشتبه به على من وقع في حقه الجرم منذ مطلع وقائع العنف البدني بالإعتداء والإسقاط في الماء الملوث مع الوعيد بالإلقاء عن طريق البحر وما قاد إليه ذاك مع استمرار الاعتداء بهذه الصورة على ولد صغير صغير البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في تجربة لإنزاله بها مرة ثانية في وقت سابق للمجني فوق منه التأذي من سابقتها، كل ذاك يستتبع أن يسعى الضحية القضاء على قبضة المدعى عليه جذباً مثلما يستتبع من المشتبه به دفعاً في مسعى إنزال الضحية إلى الماء أو حتى الوعيد به وهو غير متيقن من إجادة من وقع في حقه الجرم للسباحة وقد جرى كل هذا في بقعة على منحى الرصيف ضاقت بوجود مواسير المحروقات الممتدة بطوله، ذلك التتالي الذي اختتم إلى وقوع من وقع في حقه الجرم في مياه البحر وهو مرتبط بحزام المشتبه به ثم غرقه وموته يحتسب عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الموضوعات المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على نقيض السنة الكونية وذلك فلا يقبل ولا يسمع من المدعى عليه أنه لم يتكهن حدوث هذه النتيجة الأخيرة وهي وفاة الضحية غرقاً” وهو تدليل سائغ يكون السبب في ما اختتم إليه الحكم ويتفق وصحيح الدستور فإن ما ينعاه الطاعن في ذلك الصدد يكون غير صائب ذلك إضافةً إلى انتفاء مصلحته في ذلك المنعى لأن الجزاء التي أنزلها الحكم به وهي السجن لوقت خمس أعوام تدخل في محيط المعاقبة المقررة لجريمة عنف بدني مدعى عليه لحمله على الاعتراف المجردة عن وضعية مصرع الضحية المنصوص فوقها في العبارة الأولى من المادة 126 من تشريع الغرامات.
4 – من المعتزم أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعها إلى محكمة المسألة تنزله المكانة التي تراها وتقدرها التقييم الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن هذا يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الحماية لحملها على عدم الإتخاذ بها.
5 – المحكمة غير ملزمة بسرد حكايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها إلا أن حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود سوى ما تسكن قضاءها فوقه ولها أن تعتمد على أقوال الشاهد في أي مدة من مدد الدعوى ما ظلت قد اطمأنت إليها مثلما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود – على إلزام حصوله – لا يعيب الحكم طالما أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 – بما أن البين من محضر جلسة الشكوى القضائية أن لاعب الدفاع عن الطاعن وإن مناشدة تصرف معاينة ليلية لمقر الحادث لكن ذاك المطلب أتى في سياق مرافعته بغرض التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى مناشدة البراءة ولا يفيد معنى المطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة المسألة بإجابته أو الرد فوقه لما هو مرتب من أن المطلب الجازم هو ما يصر أعلاه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار أعلاه.
7 – المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها سوى عن الدلائل ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا أعلاها إن هي التفتت عن أي دليل أحدث لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل أعلاه.
8 – الغاية الجنائي المتطلب في الجناية المنصوص أعلاها بالمادة 126 من دستور الغرامات يتحقق متى ما عمد المستوظف أو المستعمل العمومي إلى عنف بدني مدعى عليه لحمله على الاعتراف أيما كان الباعث له على هذا، وقد كان توافر ذلك الغاية الأمر الذي يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة المسألة والتي تنأى عن إشراف محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.
9 – من المعتزم أن للمحكمة أن تستنبط من الأحداث والقرائن ما تشاهده مؤدياً عقلاً النتيجة التي اختتمت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الموقف المرغوب إثباتها لكن يكفي أن يكون ثبوتها منه على يد الاستنتاج الأمر الذي تكشف للمحكمة من الأوضاع والقرائن وتحضير النتائج على المقدمات.
الأحداث
اتهمت الإدعاء العام الطاعن بأنه: بوصفه موظفاً عاماً (أمين شرطة بإدارة شرطة ميناء الإسكندرية) وقف على قدميه بإيذاء…….. على النحو الموضح بالتحقيقات لحمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسنده إليه بسرقة وتخبئة مسروقات من الدائرة الجمركية فأحدث به الخبطات الموصوفة بتقرير الطابَع التشريحية والتي أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإسناد إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإسناد فقرر ذاك. وادعى أب من وقع في حقه الجرم مدنياً قبل المشتبه به بمبلغ 20 1000 جنيه على طريق والعوض ومحكمة جنايات الإسكندرية حكمت حضورياً عملاً بالمادتين 126/ 1، 2، 234/ 1 من تشريع الغرامات بمعاقبة المشتبه به بالحبس لوقت خمس أعوام وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المخصصة. فطعن المحكوم فوق منه في ذلك الحكم بطريق النقض…. إلخ.
المحكمة
إذ إن عقار الطعن هو أن الحكم المطعون فيه حيث دان الطاعن بجريمة عنف بدني مدعى عليه لحمله على الاعتراف أدى إلى هلاكه قد خالف الدستور وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الحماية، ذاك بأن الطاعن كان من شخصيات جمعية أجهزة الأمن وقت سقوط الحادث وقد نسب إليه ارتكابه طوال تنفيذ وظيفته وبسببها الأمر الذي يجعل وجّه محاكمته موكولاً للقضاء العسكري إعمالاً لأحكام تشريع القرارات العسكرية رقم 25 لعام 1966 وقانون ممنهجة أجهزة الأمن رقم 109 لعام 1971 مثلما أن الحكم قد خلص على أن الكدمات التي أحدثها الطاعن بالمجني أعلاه هي ما أودت بحياته على الرغم من أن الثابت بتقرير الخاصية التشريحية أن هذه الكدمات ليس من وضْعها إحراز الموت التي نشأت عن إسفكسيا الغرق بما تنتفي بصحبته رابطة السببية بين الإجراءات المسندة للطاعن ووفاة الضحية وقد حرض الحراسة هذا في مرافعته بيد أن الحكم لم يعن بالاستجابة فوق منه وتنفيذ بأقوال الشهود على الرغم من تناقضها، مثلما عول على أقوال الطاعن ووجود آثار دهون بسترته وتحقيقات قوات الأمن وهي دلائل لا تكون سببا في ما اختتم إليه. إضافةً إلى أنه أطرح إلتماس فعل معاينة لمقر الحادث بما لا يسوغ به إطراحه، والتفت عن الملفات التي قدمها وهي تنبئ عن استحالة حصول الحادث بحسب تصوير شهود الإثبات. وأخير فإن الطاعن لم يشير إلى إلى حمل الضحية على الاعتراف وإنما غرض اصطحابه لقسم أجهزة الأمن الأمر الذي ينتفي بصحبته الغرض الجنائي عنده، كل هذا الأمر الذي يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وإذ إن المقرر أن القضاء السهل هو المصدر وأن المحاكم العادية هي الخاصة بالنظر في مختلف الإدعاءات الناشئة عن إجراءات مكونة لجريمة استناداً لقانون الإجراءات العقابية العام مهما كان واحد مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست سوى محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما ميزة الجرائم التي تنظرها وإما واحد مرتكبها في ما يتعلق بـ ملمح محددة توافرت فيه وأنه وإن أجاز تشريع القرارات العسكرية رقم 25 لعام 1966 وقانون ممنهجة قوات الأمن رقم 109 لعام 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من فئة محدد ودعوى قضائية نوع خاصة من المتهمين سوى أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي دستور أحدث نصاً على انفراد ذاك القضاء بالاختصاص على صعيد عموم فترات الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجرم التي أسندت إلى الطاعن معاقباً فوقها بالمادتين 126، 234/ 1 من تشريع الجزاءات، وقد كانت الإدعاء العام قد قدمته إلى البلاغ القضائي العادية ولم يتخذ قرار القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بهذا ينعقد للقضاء الجنائي البسيط وما يثيره الطاعن في ذاك الأمر يكون في غير محله. بما أن ذاك وقد كان الحكم المطعون فيه قد بين موقف الدعوى بما تتوافر به مختلَف المركبات التشريعية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه دلائل مستمدة من أقوال شهود الإثبات والمتهم وما استقر من المعاينة وتوثيق السمة التشريحية وهي دلائل من وضْعها أن تكون السبب في ما رتب فوق منها ولم ينازع الطاعن في أن لها منبعها الثابت بالأوراق. وبما أن من المعتزم أن صلة السببية في المواد الجنائية صلة نقدية تبدأ بشكل فعلي الذي اقترفه الجاني وتخص من الناحية المعنوية بما ينبغي أعلاه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وتلك الرابطة موضوع موضوعية ينفرد قاضي الشأن بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا إشراف لمحكمة النقض فوق منه طالما قد سكن قضاءه في ذاك على عوامل تكون سببا في ما اختتم إليه، وحيث كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر رابطة السببية بين إجراءات الوجع التي ارتكبها وبين النتيجة التي اختتمت إليها تلك الممارسات وهي موت من وقع في حقه الجرم في كلامه: “ولما كانت المحكمة تشاهد توافر رابطة السببية بين إجراء الألم الذي أوقعه المشتبه به بالمجني فوق منه وبين النتيجة التي اختتم إليها ذلك العنف البدني وهي وفاة من وقع في حقه الجرم غرقاً فإن حكم البند الثانية من المادة 126 من دستور الإجراءات التأديبية يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذاك أن إجراء العذاب الذي باشره المدعى عليه على الضحية منذ أول وقائع الألم بالإعتداء والإسقاط في الماء الملوث مع الوعيد بالإلقاء بحريا وما دفع إليه هذا مع استمرار الاعتداء بهذه الصورة على ولد صغير البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في تجربة لإنزاله بها مرة ثانية في مرة سابقة للمجني فوق منه التأذي من سابقاتها، كل هذا يستتبع أن يسعى الضحية القضاء على قبضة المدعى عليه جذباً مثلما يستتبع من المدعى عليه دفعاً في تجربة إنزال من وقع في حقه الجرم إلى الماء أو حتى الوعيد به وهو غير متيقن من إجادة الضحية للسباحة وقد جرى كل ذاك في بقعة على ناحية الرصيف ضاقت بوجود مواسير الوقود الممتدة بطوله، ذاك التتالي الذي اختتم إلى وقوع من وقع في حقه الجرم في مياه البحر وهو مرتبط بحزام المدعى عليه ثم غرقه وموته يعد عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الموضوعات المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على نقيض السنة الكونية وهذا فلا يقبل ولا يسمع من المشتبه به أنه لم يتنبأ حدوث هذه النتيجة الأخيرة هي وفاة من وقع في حقه الجرم غرقاً” وهو تدليل سائغ يتسبب في ما اختتم إليه الحكم ويتفق وصحيح الدستور فإن ما ينعاه الطاعن في ذاك الصدد يكون غير صائب، ذاك إضافةً إلى انتفاء مصلحته في ذلك المنعى لأن الإجراء التأديبي التي أنزلها الحكم به وهي السجن لبرهة خمس أعوام تدخل في إطار الإجراء التأديبي المقررة لجريمة إيذاء مدعى عليه لحمله على الاعتراف المجردة عن وضعية مصرع من وقع في حقه الجرم المنصوص فوقها في البند الأولى من المادة 126 من تشريع الإجراءات التأديبية. بما أن هذا، وقد كان من المعتزم أن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الأمر تنزله المرتبة التي تراها وتقدره التقييم الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذاك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الحماية لحملها على عدم التنفيذ بها – مثلما هو الوضع في الدعوى المطروحة – مثلما أن المحكمة غير ملزمة بسرد حكايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها إلا أن حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود سوى ما تسكن قضاءها فوق منه ولها أن تستند على أقوال الشاهد في أي مدة من مدد الدعوى ما استمرت قد اطمأنت إليها مثلما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود على فريضة حصوله – لا يعيب الحكم طالما أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وحيث كانت المحكمة قد بينت في حكمها حادثة الدعوى على الصورة التي أقامت في وجدانها وأوردت دلائل الثبوت المؤدية إليها بما استخلصه من أقوال الشهود ومختلَف مكونات الإثبات الأخرى المطروحة فوق منها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره في ذاك الموضوع ينحل إلى جدل موضوعي في عرفان الدليل وفي سلطة محكمة الشأن في وزن مكونات الدعوى واستنباط معتقدها وهو الذي لا يمكن إثارته في مواجهة محكمة النقض. بما أن هذا، وقد كان الحكم قد عول في قضائه في إطار ما عول على أقوال الطاعن في التحريات وما وجد من دهون بسترته واستجوابات قوات الأمن بكونها حيثيات مدعومة لأدلة الثبوت التي أوردها، وقد كان ما أورده من تلك الحيثيات سائغاً ومن حاله أن يعزز هذه الدلائل ويسفر عن ما رتب فوقها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه والتي دين بها فإن ما يثيره في ذلك الصدد لا يعدو أن يكون عوداً للخلاف في حادثة الدعوى وتقييم أدلتها الأمر الذي تستقل به محكمة الشأن ولا تجوز إثارته في مواجهة محكمة النقض. بما أن ذاك، وقد كان البين من محضر جلسة الشكوى القضائية أن لاعب الدفاع عن الطاعن وإن إلتماس تصرف معاينة ليلية لموضع الحادث بل ذلك المطلب أتى في سياق مرافعته بغرض التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى إلتماس البراءة ولا يفيد معنى المطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الشأن بإجابته أو الرد فوقه لما هو مرتب من أن المطلب الجازم هو ما يصر فوقه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار فوق منه إضافةً إلى أن المحكمة نشرت لذلك المطلب وردت فوقه رداً كافياً وسائغاً لتبرير رفضه. بما أن ذاك وقد كان لا يقدح في سلامة الحكم إغفاله نتاج مؤدى الملفات الواجهة من الطاعن لما هو مرتب من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها سوى عن الدلائل ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا أعلاها إن هي التفتت عن أي دليل أحدث لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل فوق منه ذلك إضافةً إلى أن الطاعن لم يفصح في عوامل طعنه عن مؤكد تلك الملفات وكيف أنها تنبئ – من إتجاه نظره – عن استحالة حصول الحادث على حسب تصوير الشهود وبذلك فإن ما يثيره الطاعن في ذاك الأمر لا يكون مقبولاً. بما أن ذاك، وقد كان الغاية الجنائي المتطلب في الجناية المنصوص فوقها بالمادة 126 من دستور الجزاءات يتحقق متى ما عمد المستوظف أو المستعمل العمومي إلى إيذاء مشتبه به لحمله على الاعتراف مهما كان الباعث له على هذا وقد كان توافر ذاك الغرض الأمر الذي يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الشأن والتي تنأى عن إشراف محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وقد كان من المعتزم أن للمحكمة أن تستنبط من الأحداث والقرائن ما تتفرج عليه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي اختتمت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على المناسبة المرغوب إثباتها لكن يكفي أن يكون ثبوتها منه من خلال الاستنتاج الأمر الذي تكشف للمحكمة من الأحوال والقرائن وتجهيز النتائج على المقدمات، وبما أن الحكم المطعون فيه قد استظهر بأسباب سائغة من أحوال الحادثة وما توحي به ملابساتها أن ما أتاه الطاعن من أعمال الكرب بالمجني فوق منه كان بغرض حمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسند إليه والإرشاد عن الشحنة المقول ببدأ تهريبها فإن حيث دانه بجناية إيذاء مشتبه به لحمله على الاعتراف يكون قد أصاب صحيح الدستور ويكون النعي أعلاه في ذلك الخصوص غير صائب. بما أن ما تمنح، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
Originally posted 2021-10-23 19:05:10.