يحتسب الزواج هو الكيفية الطبيعية لمجابهة الميول الغريزية الفطرية التي تدفع بأحد نوعي الإنسان للاتصال بالآخر، وعقد الزواج من أكثر العقود التي يتعامل بها الإنسان في وجوده في الدنيا ويتحصل به المودة والرحمة والمنزل والمكوث والتكاثر وعمارة الأرض، وإذ أن العائلة هي اللبنة والقاعدة التي يقوم أعلاها إنشاء الأمة خسر اهتمت الشريعة الاسلامية بالزوجين وبينت ما لهما من حقوق وما عليهما من واجبات تصون استمرار واستقرار الحياة الزوجية، وخص الفقهاء حقوق القرينة بمزيد من المراعاة بمثابة أن القرين ذو القوامة وراعي العائلة فيجب فوق منه علم حقوق القرينة وإيفاؤها لها كاملة حتى لا يحدث فوق منها البغي المنهي عنه في الشرع.
وتتمثل حقوق القرينة في المهر لكلامه هلم {.. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن إنفاذ..} وقد أجمع علماء الأمة إلى أن المهر حق للمرأة يثبت لها بعقد النكاح، فهو حق وأثر ناتج عن الاتفاق المكتوب، ويشترط في المهر أن يكون مالاً متقوماً له ثمن معتبرة في نظر الشرع، أو أن يكون في حكم الملكية كالمنافع التي تقدر بمال، وأن يكون معلوماً ومقدوراً فوقه بعيداً عن المغالاة لما جاء في الحديث النبوي (إن أعظم السيدات بركة أيسرهن مئونة) والمصدر في المهر أن يكون معجلاً ويجوز أن يتيح بعضه ويؤخر بعضه أو أن يؤخر كله إلى أرجأ معروف. وإذا لم يسم المهر فيجب مهر المثل، ويثبت المهر كاملا للزوجة فور الدخول بها أو الخلوة السليمة، ويثبت 1/2 المهر إذا طلقها القرين قبل الدخول بها أو الخلوة السليمة لو أنه قد تكليف لها مهراً أو كانت القرينة ضئيلة فلا عنده وليها سوى المطالبة بنصف الصداق لأن النصف بنظير احتباسها والنصف الـ2 لا ينبغي سوى بالتمكين.
ومن حقوق القرينة الواجبة النفقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في كلام التوديع (اتقوا الله في الحريم فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ويشترط لضرورة النفقة أن يكون قسيمة الزواج صحيحاً، وأن تنتقل القرينة إلى منزل الزوجية وألا تحجب القرين من التمتع بها سوى لعذر. وفئات النفقة الغذاء والمشروب والكسوة والسكن الملائم والدواء ووسائل النظافة ونفقة الخادم إذا كانت القرينة ممن يخدم مثلها وقد كان القرين موسرا وإلا فلا لأن الخادم ليس من ضرورات الحياة.
وأيضا من حقوق القرينة على القرين أن يعدل بين زوجاته في حال التعدد في الموضوعات الظاهرة كالنفقة والكسوة والمبيت فيقضي من الزمان لدى الواحدة مقدار ما يقضيه لدى الأخرى. وأن يقوم القرين بتعليمها شؤون دينها وما يلزم فوق منها من الحقوق القانونية، وأن يغار فوق منها ويحافظ عليها من كل ما يضرها في دينها وذاتها، وأن يغفر لها تقصيرها وأخطاءها ويعاملها بالرفق واللين. وأن يحاول كل منهما إلى ما يرضي الآخر من سلس المخاطبة، وإجلال المقترح والتسامح والبقاء بعيدا عن كل ما يجلب الشقاق والتشاجر.
ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين التمتع فلكل منهما الحق في التلذذ بالآخر في الأطراف الحدودية المشروعة، وأيضاً من الحقوق المشتركة أن يرث كل منهما الآخر عقب مصرعه وإن كانت الهلاك قبل الدخول، وهذا لأن قسيمة الزواج كان بهدف العشرة والمتعة بينهما فأوجد رابطة ترابط بينهما كصلة القرابة فاستلزم هذا ثبوت التوارث شرعاً، فلا يحق للزوج أن يطلق امرأته في مرضه بغرض حرمانها من الإرث ويعد تصرفه ذاك باطلا شرعا ويعامل بنقيض قصده فترث القرينة في تلك الظرف وهي قضية وقائع تخضع لسلطة محكمة الشأن التقديرية، ونخلص على أن الحقوق الزوجية مشتركة ومتبادلة فإذا كانت المرأة تؤدي واجباتها فلابد إن يقابل هذا بمكافأتها كذلك بحقوقها التي تجسد الأثر الناتج عن قيامها بواجبها إزاء الرجل، وجماع الحقوق الزوجية هي المعاشرة بالمعروف أو التسريح بإحسان لكلامه هلم {.. فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف..} وليس من الإنصاف والمروءة أن يؤذي الرجل المرأة في ذاتها ما استمرت في عصمته أو يضيق أعلاها ليدفعها لمخالعته أو يرهقها عقب مفارقته بعدم الإنفاق على أبنائه أسفل وطأة الوعيد بإسقاط حضانتها في موقف المطالبة بالنفقة أو مزاولة حقها الطبيعي في الزواج.
Originally posted 2021-11-24 17:15:34.