صور وفئات المراقبة القضائية السورية على صحة الدستور.
يترتب على تدرج التشريعات , أن القانون الأسفل درجة ينبغي أن تتوافق أحكامه مع التشريعات الأعلى في المكانة , فلا يجوز أن يشتمل القانون الأسفل مكانة أحكاماً تتضاد و مع القرارات الواردة في التشريعات التي تعلوه في الدرجة و تنفيذاً لهذا فإن التشريع الدستوري يحتسب أجدر القوانين في الجمهورية و يتعين بالتالي أن تتوافق مع أحكامه مختلَف التشريعات الأخرى و يدخل في هذا التشريعات العادية و التشريعات الفرعية و من جهة أخرى فبالنسبة للتشريع الفرعي فإنه أسفل التشريعات في المنزلة و لا يمكن بالتالي تضمينه أحكام تتضاد مع القانون الدستوري أو القانون البسيط بكون أن تلك التشريعات تعلوه في الدرجة .
و يثور الاستفسار في ذاك الصدد بخصوص مجال الإشراف القضائية على التشريعات التي تغادر عن مبدأ التدرج ؟ للإجابة على ذاك الاستفسار يمكن القول أن معظم دول العالم قد تبنت في دساتيرها مبدأ الإشراف القضائية على صحة الدستور و اعتبرتها الكيفية المؤثرة لضمان مبدأ القانونية و ضمان جلالة التشريع . و قد كانت أميركا الأمريكية سالف الدول للأخذ بذاك الإطار لأنه من مقومات الإطار الاتحادي و انتقل عقب ذاك إلى القارة الأوربية ما إذا كان في النمسا أو اسبانيا أو دولة جمهورية ألمانيا الاتحادية أو إيطاليا .
و أعلاه ينقسم ذلك البحث إلى فقرتين اثنتين , نبحث في البند الأولى الإشراف القضائية على دستورية القانون السهل و نخصص البند الثانية للرقابة القضائية على صحة القانون الفرعي.
أولاً : المراقبة القضائية على دستورية القانون المتواضع .
تلتزم السلطة الشرعية بتبجيل التشريع في مختلف ما تقوم به من عمل و خصوصا في عملها الأساسي الذي يتمثل في سن التشريعات خسر نصت العبارة الأولى من المادة خمسين من القانون السوري على انه ( يضطلع بـ المجلس المنتخب السلطة الشرعية على الوجه الموضح في التشريع ) .
و يشير إلى ذلك عدم تخطى البرلمان لاختصاصه أو إعتياد أداء ذاك الاختصاص على غير الطراز الموضح في التشريع . و هكذا كل قانون يخالف القانون يحتسب باطلاً .
بل الاستفسار الذي يطرح هنا متمثل في خطاب الأساليب المشروعة التي يمكن عن طريقها توثيق ذاك البطلان ؟
و ما دام أننا نتحدث لاغير عن المراقبة القضائية فإن ذاك الاستفسار يقتصر على كلام أساليب المراقبة القضائية فبالرغم من اتجاه أكثرية الدول إلى تبني مبدأ المراقبة القضائية سوى أنها اختلفت في الأسلوب المتبع في القيام بتلك الإشراف فبعضها اعتمد أسلوب الإشراف بطريق الدعوى الرسمية في حين اتجهت دول أخرى إلى تبني سبيل الدفع الفرعي .
1 – الإشراف من خلال الدعوى الرسمية :
بمقتضاها يشطب اللجوء إلى القضاء في الحال للطعن بعدم دستورية القانون بمعزل عن أي تشاجر مطروح في مواجهته .
و لا تتشبه الدول في صدد حق الطعن بعدم دستورية القوانين من خلال الدعوى الحكومية , فقليل منها مثل اسبانيا و ليبيا خولت الشخصيات ذاك الحق , أما أغلبيتها خسر تحريمه على الأشخاص خشية إساءة استخدامه و اكتفت بتخويله إلى قليل من الهيئات العامة , مثل النمسا و تركيا و إيطاليا .
و يلمح ايضاًًً أن أغلب الدول التي أخذت بطريقة المراقبة القضائية بأسلوب الدعوى الحكومية أنشأت محكمة خاصة لتلك الغاية تستمتع لوحدها بحق البت في مقال دستورية القوانين .
و حكم المحكمة الصادر بالإلغاء ملزم لكل المحاكم الأخرى و من شأن ذاك الفريضة تصفية التشاجر مرة واحدة و بصفة ختامية بخصوص دستورية ذاك الدستور , بما لا يتيح بتهييج التشاجر مجددا .
و قد نصت المادة / 139 / من التشريع السوري لسنة 1973 على تشكيل محكمة دستورية عليا تضطلع بـ مأمورية البت في دستورية القوانين , قبل إصدارها , و لهذا تمثل رقابتها تلك مراقبة وقائية سابقة , و تجري تلك الإشراف كالتالي :
أ- إذا اعترض رئيس الدولة أو 1/4 أعضاء مجلس النواب على دستورية دستور قبل إصداره , يوقف إصداره على أن تبت المحكمة فيه طوال خمسة 10 يوماً من تاريخ إلحاق الاعتراض عندها لو أنه للقانون خاصية الاستعجال وجب على كرسي القضاء الدستوري العليا أن تبت فيه طوال خمسة سبعة أيام .
ب- إذا اعترض 1/4 أعضاء مجلس النواب على دستورية أمر تنظيمي شرعي أثناء فترة خمسة 10 يوماً من انعقاد دورة البرلمان وجب على كرسي القضاء الدستوري العليا أن تبت فيه طوال خمسة 10 يوماً من تاريخ إلحاق الاعتراض عندها .
فإذا حكمت المحكمة بأن ذلك الدستور , أو القرار القانوني غير دستوري اعتبر لاغياً ما كان مخالفاً منهما لنصوص القانون و ذاك بأثر رجعي و يحتسب في خبر كان , و بذلك لا يترتب فوقه أي أثر .
ولكن المادة / 146 / من القانون قد حظرت على كرسي القضاء الدستوري البت في دستورية القوانين التي تطرح على استطلاع الرأي الشعبي و يوافق فوقها الشعب .
2- المراقبة بكيفية الدفع :
و تكون بطلب يتقدم به ذوي المسألة لاستبعاد مقال تشريعي يراد تأديته على دعوى مطروحة في مواجهة القضاء , و لذا فإن المراقبة بطريق الدفع الفرعي هي باستمرارً مراقبة لاحقة لأنه يفترض وجود
دعوى مرفوعة أما محكمة أخصائية , و تشري فوقها واحدة من المقالات التشريعية المُجدية .
فإذا ارتأت تلك المحكمة عدم دستورية ذلك الموضوع قد عزمت استبعاد تأديته , دون إلغائه , و مرسوم الإبعاد ذاك لا يكون له حجية سوى فيما يتعلق لتلك الدعوى ليس إلا , أي لا يقتضي باقي المحاكم , مثلما أنه لا يجب المحكمة ذاتها في دعوى أخرى مناظرة .
و يقصد ذلك الحكم الصادر من القاضي في تلك الوضعية لا يمكن إلا حجية نسبية يقتصر أثرها على الصراع الذي صدر بصدده في موضوعه و أشخاصه , و يوجد المقال الشرعي نافذاً في الحالات الفردية الأخرى التي لا تنسحب أعلاها حجية الحكم .
و تتميز الإشراف بطريق الدفع بأنها تحترم مبدأ الفصل بين السلطات حيث أن السلطة القضائية لا تتدخل بواسطتها في عمل السلطة القانونية و لا تأخذ دورا في المهنة الشرعية , حيث أنه وقتما يمتنع القاضي عن تأدية موضوع تشريعي لعدم دستورية إنما يدخل هذا في ذو بأس وظيفته القضائية و لا يطلع عن نطاقها , و هذا بإنزال حكم التشريع الأعلى لدى التضاد مع التشريع الأسفل رتبة.
و قد إتخاذ تشريع أميركا الأمريكية بذلك الأسلوب من المراقبة القضائية و ايضاًًً اليابان في دستورها لسنة 1946 و الجمهورية البرتغالية في دستورها لسنة 1933 .
و قد آذار القضاء الإداري في الشام السورية الإشراف القضائية بطريق الدفع الفرعي في العدد الكبير من الأحكام الصادرة عنه , ولقد أتى في مرسوم صادر عن المحكمة الإدارية العليا بأنه :
” إذا تضاد تشريع متواضع مع الدسـتور في أية منازعة من المنازعات التي تطرح على الوالي , فقامت بذاك تملك صعوبة مثارها أي من القانونين هو الأحسن بالتطبيق , وجب فوقها لدى قيام ذاك التضاد أن تطرح الدستور البسيط و تهمله و تغلب أعلاه القانون و تطبقه بحسبانه الدستور الأعلى الأجود بالإتباع . و لو كان التشريع السهل يهمل عندئذ فمرد هذا على أرض الواقع فخامة القانون العليا على عموم القوانين هذه الجلالة التي يلزم أن يلزمها جميع من الشارع لدى إصداره القوانين و القاضي لدى تأديته إياها بنفس الدرجة ” .
و تجدر المغزى هنا إلى أننا على يد بحثنا في أحكام القضاء البسيط في جمهورية سورية لم نعثر على وضع مماثل لظرف القضاء الإداري الماضي ذكره .
ثانياً : الإشراف القضائية على شرعية الدستور الفرعي :
لديه القضاء الحق في الإشراف على نطاق مماثلة المراسيم و الأحكام التنظيمية الصادرة عن السلطة التنفيذية لأحكام القوانين و تلك الإشراف في نفس الدهر مراقبة على دستوريتها .
و كثيرا ماً ما يعهد إلى قضاء خاص هو القضاء الإداري التيقن من تشريعية تلك الأحكام و المراسيم التنظيمية , فإذا تحق من مخالفتها لأحكام التشريع فإنه يحوز الحق بإلغائها .
Originally posted 2021-10-22 21:59:47.