اعتنى الإسلام بالزواج لأنه أساس العائلة واللبنة التي يقوم أعلاها المجتمع، وأداة الإنسان لتشريع الفطرة والغريزة التي أودعها الله فيه على وجه يحقق الاستخلاف في الأرض، وحفظ نوعه وذكراه بالتوالد والتناسل حتّى يرث الله الأرض ومن فوقها، من هنا كانت رعاية الإسلام بالأسرة والزواج ووضع لها نظاماً كاملاً محكماً تنبع فيه علاقة الزواج على خلفية من الرحمة والمودة والسكينة، حيث جعله الله من آياته في خلقه وعده من نعمه على عباده فقال عز وجل: {ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذاك لآيات لقوم يتفكرون}، وبهذه الزوايا الثلاثة الواردة في الآية تتحقق السعادة المسكن والمودة والرحمة، ولو أنه المنبع في الزواج مثلما أسلفنا السلم في العائلة واستمرار مودتها وتراحمها، سوى انه يصدر في بعض الأحيانً أن تنفصم عراها باشتعال خلافات بين الزوجين، والتي شرع الله لها فسخ العلاقة الزوجية كعلاج أخير كلما تفشل كل سبل المعالجة والصيانة، فأباحت الشريعة فسخ العلاقة الزوجية إصلاح للعائلة وحفاظاً على المظاهر والاقترانات ووضعت له حدوداً وضوابط في أعقاب نفاد مساعي التصليح.
والإسلام بتشريعه للطلاق يكون منسجماً مع نظام التوسط بين الإسراف والتفريط، بعكس غيره من الشرائع، والتي منها ما تبيح فسخ العلاقة الزوجية على إطلاقه بدون محاذير ولو بغير مبرر، ومنها ما يجعل الزواج مؤبداً ولا تبيح فسخ العلاقة الزوجية بشكل قاطعً مثلما هو الوضع في الغرب إذ سيطرت الوضع الحرج في الحياة الاجتماعية وشاع اتخاذ الأخدان والعشيقات، فجاء الإسلام وجعل فسخ العلاقة الزوجية مطلب من حاجات الإنس لا ينهي اللجوء إليها سوى لدى الأهمية ووجود الدافع الشديد لها، ومن محاسن الشريعة الإسلامية أن جعلت فسخ العلاقة الزوجية بيد الرجل، ولذا لأن المرأة فورية الحنق شديدة التأثر وغالباً تدفعها طبيعتها إلى الركض خلف أحاسيسها بدون ترو، هذا لأنها خلقت على رقة في الطبع، وبها من الغرائز ما يصلح أن تكون مصدراً للحنان والأمومة، حيث لو جعل فسخ العلاقة الزوجية بيدها وهي على ما أسلفنا من رقة العاطفة وسرعة الانفعال لانهارت كميات وفيرة من الأواصر العائلية والزوجية في لحظة طائشة وفور خصام عارض ولذا لا يحظر أن تكون ثمة إناث يتم وصفهن بالحكمة والتروي إلا أن أحكام الشرع تبنى على غالب الظروف.
وإذ إن الخالق عز وجل يدري اهتمامات خلقه وهو اللطيف المتمرس وصاحب الخبرة ولقد تكرر كلامه هلم في آيات فسخ العلاقة الزوجية في كتاب الله الخاتم {وإذا طلقتم الحريم}، والخطاب موجه للرجال ودليل على انه جعل فسخ العلاقة الزوجية بيد الرجال لحكمة يعلمها الخالق جل وعلا، حتى ان الأبحاث التي بحثت الحكمة من جعل حق فسخ العلاقة الزوجية بيد الرجل كقاعدة عامة، توصلت على أن ذاك ليس منقصة في حق المرأة إلا أن تأمين لها من انفعالاتها التي هي قسم من طبيعتها، ولو كان الإسلام قد جعل فسخ العلاقة الزوجية بيد الرجل، خسر أعطى المرأة الحق في الخلع من قرينها، كلما كان ثمة حجة لهذا، وحفظ الإسلام للمرأة المسلمة حقوقاً فاقت به من كانت قبلها، إلا أن ان المرأة حاليا في الغرب لا زالت مواجهة بهدف حقوق ومكاسب، هي مقررة للمرأة المسلمة منذ عصر النبوة.
والخلع حق المرأة المسلمة في فسخ العلاقة الزوجية من قرينها إذا كرهته لدينه أو خلقه وتخاف أن لا تؤدي حق الله في طاعته، فلها أن تخالعه بعوض تفتدي به ذاتها ودليل مشروعيته كلامه هلم: {فإن خفتم ألا يقيما حواجز الله فلا جناح عليهما في حين افتدت به}، وسقي أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح للمرأة التي كرهت قرينها ورغبت في مخالعته «أتردين أعلاه حديقته» صرحت نعم أفاد صلى الله عليه وسلم لزوجها «إقبل حديقتها وطلقها تطليقة» والمرأة لا يمكن لها شرعاً أن تخالع قرينها بغير دافع، لأن الخلع إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح لحديث «أيا كان امرأة سألت قرينها طلاقاً في غير ما شقاء فحرام أعلاها رائحة الجنة» والخلع بمثابته فداء لا يصح سوى بعوض يتراضى فوق منه الطرفان وحكمه أنه طلاق لا رجعة فيه لأن إشتراط العوض والرجعة متنافيان.
Originally posted 2021-11-25 18:34:46.