إنفاذ المشرّع فترتين من عمر الولد قدّر فيهما حاجته في نشأته وتربيته للحضانة؛ فما استمرت الزوجية لائحة بين الوالدين فإن الصبي يصدر بين أحضان والدته وإعتناء أبيه. أما إذا وقعت الفرقة بين الوالدين، فلا شك في أن هيئة الولد توجب وضعه لدى من هو أقدر على الانتباه به والمراعاة بشؤونه في مختلف مرحلة من فترتي وجوده في الدنيا. وبما أن الولد في بداية عمره يتطلب إلى تربية ومراعاة وحنان وشفقة وذلك يتوافر في الحريم عادة أكثر من الرجال، كان الأحق بحضانته شرعاً والدته. والفترة الثانية هي فترة انتقال الولد إلى أبيه وفيها يتطلب فيها إلى من يتوقف على تربيته وتعليمه وحفظه وصيانته. وفي كلتا المرحلتين يراعى أولاً وقبل جميع الأشياء منفعة الغلام. خسر نظم تشريع الظروف الشخصية في أعقاب تحديث المادة 146منه تلك المدة من حياة الولد الصغير بالنص:
“على أساس أنه مرحلة حضانة الضئيل تنتهي إذا وصل الضئيل الثالثة 10 والصغيرة خمسة عشر عاماً”.
إلا أن من أهم الأشياء التي تجابه الولد لدى ختام حضانته مقال انتقاله من الأم إلى الوالد وما يخلق من مكابدة ووجع فيما يتعلق له أو لأمه أو بالعكس. وبكثرةً ما يطرح السؤال على المشتغلين بالقانون من محامين وقضاة؛ هل يحق للطفل أن يفاضل بين والديه وما هو حالة الدستور من ذاك الحق؟
إن دستور الظروف الشخصية أغفل ذكر ذلك الحق بنص جلي وصريح وتولى الاجتهاد القضائي الرد فوق منه بحرمان المحضون من حق الاختيار؛ خسر أتى في اجتهاد محكمة النقض السورية رقم أساس 346 مرسوم تاريخ 26 / 8/ 1969 أن:
“الشرع لم يدع للولد عقب تخطيه سن الحضانة أن يوجد عند والدته”. وذلك الاجتهاد لا سند له في العام والفقه؛ إذ نجد أن المذهب الشافعي رضي ذلك الحق للمحضون؛ ويرى أصحابه أنه في أعقاب ختام سن الحضانة حين إتيان الاثنين (البنت والغلام) سن السابعة، يُحسَن المحضون بين بقائه مع أمه أو انتقاله إلى أبوه. وأتى في رد المحتار لابن عابدين: “أنه يقتضي للمفتي أن يكون ذا رؤية ليراعي الأصلح للولد، خسر يكون له قريب مبغض يطمح مصرعه ويكون قرين والدته مشفقاً فوق منه يعز فوق منه فراقه، فيريد قريبه أخذه منه ليؤذيه ويؤذيها.
وقد يكون له قرينة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه قرين والدته الغريب، وقد يكون له أبناء يخاف على الفتاة منه الفتنة لسكناها بصحبتهم؛ فإذا معرفة المفتي أو القاضي شيئاً من هذا لا يحل له نزعه من والدته، لأن مدار الحضانة على استفادة الطفل الصغير، حيث لجميع وضعية اجتهاد خاص بها يصدق عليها القاضي الذي فوق منه أن يقضي بالعدل وأن يسمع لحجج الطرفين ويأخذ هيئة الصبي أولاً وفي النهايةً”.
وبالرجوع إلى سيرة أصحاب النبي(ص) وحالَما كان أبو بكر (ر) إماماً يقضي بين الناس، حكم على ابن عمر بن البيان أن يوجد مع جدته لأمه التي ربته بعدما طلق عمر بِنتها التي تزوجت وتركته وما راجعه عمر في حديثه؛ أي أنه سلّم له بحكمه والتزم به.
أيضاً نجد في كتاب القرارات القانونية في الأوضاع الشخصية على مذهب الامام والدي حنيفة النعمان لمحمد قدري باشا والمعول فوق منه في حين سكت عنه التشريع، عملا ًبالمادة 305 من دستور الأوضاع الشخصية، أنه ذكر في المادة 498 منه، أنه: “إذا وصل الولد الصغير رشيداً وقد كان مأموناً على ذاته فله الخيار بين والديه؛ فإن شاء إستقر لدى من يفاضل وإن شاء انفرد عنهما”. وفيما يتعلق للفتاة أصدر قرارا في المادة 499 من ذات المرجع، أنه:
“إذا وصلت الأنثى مِقدار الحريم فإن كانت بكراً شابة أو ثيباً غير مأمونة فلا خيار لها ولأبيها أو جدها إدماجها إليه، ولو كانت بكراً ودخلت في العمر وقابل لها فكرة وعفة أو ثيباً مأمونة على ذاتها فليس لأحد من أوليائها إدماجها إليه”.
وتجاه ذاك الشأن كثرت المناداة عند منظمات حقوق وكرامة البشر والغلام والمرأة، المطالبة بالعدول عن ذلك الاجتهاد الجائر الذي لا يراعي منفعة المحضون ولا رغباته وحقه في الاختيار، ولا ينسجم حتى مع دستور الظروف الشخصية في المادة 164 بند 2، التي أجازت للقاضي أن يأذن للقاصر حتى الآن بلوغه الخامسة 10 وسماع أقوال الوصي باستقبال منحى من أمواله لإدارتها، ولا مع الراجح في المذهب الحنفي مثلما توجب المادة 305 من ذات التشريع؛ لهذا، رأت محكمة النقض التحور عن ذاك الاجتهاد، وصدر عنها اجتهاد قضائي حوار يوافق علىّ بذاك الحق، ويصحح الخطأ الماضي، وهو المرسوم رقم أساس 2943 مرسوم رقم 2944 تاريخ 19 /12/2011 والذي يوميء حتّى “سن التخيير هو في أعقاب إتيان الولد الصغير الخامسة عشر”.
وبالتالي يكون ذاك الاجتهاد قد رضي حق التخيير للمحضون لدى بلوغه سن الخامسة عشر في الاختيار بين الرجوع إلى والدته أو المكث مع أبيه كون مدة حضانته تنتهي لدى والدته عند بلوغه الثالثة عشر، وحقق نقلة نوعية في ميدان الحضانة وقد كان أكثر انسجاماً مع روح الشريعة والقانون والفقه في انتباه منفعة الولد في قضية الحضانة، وعبّر بهذا عن الوجه الناصع والبشري للشريعة الإسلامية في تقدير ومراعاة إرادة الإنسان، والولد الصغير بخاصةً، واقترب أكثر في مجاراة التشريعات الغربية التي قطعت شوطاً كبيراً في ذاك الميدان.
وفي النهايةً، نتطلع من المشرّع لدى البصر في تطوير دستور الأوضاع الشخصية أن يوافق على ذلك الاجتهاد بنص صريح وخاص، وألا يدع الموضوع للاجتهاد والرأي، ومن ثم يحسم العدد الكبير من المشكلات العائلية التي تزخر بها أروقة المحاكم القانونية، والتي تكون الأذية والكيدية جوهرها، وضحيتها الغلام دون غيره.
Originally posted 2021-11-25 19:33:53.