خوّل الإسلام المرأة دعوة فسخ العلاقة الزوجية إذا كرهت المكث في عصمة قرينها, لكنه لم يدع الشأن بغير حواجز، فلم يبحه كل الإباحة؛ فهو وجوب وخدعة من لا خدعة له في الوفاق.. ومع هذا فهو أبغض الشرعي إلى الله. والمقرر فقهاً أن فسخ العلاقة الزوجية حق يوقعه القرين في أي حال مادام أهلاً لإيقاعه, وقد يفوّض الرجل فسخ العلاقة الزوجية إلى قرينته ولذا لأنه من السلوكيات القابلة للإنابة؛ فله أن يشرع في بشخصه إيقاع فسخ العلاقة الزوجية على قرينته؛ وله أن ينيب غيره في ذاك..
فإن كان الغير الذي أنابه عنه في إيقاع فسخ العلاقة الزوجية هو القرينة لتطلق ذاتها سمّيت الإنابة تفويضاً لا توكيلاً، ولذا لأن الوكيل يعمل بإرادة ومشيئة موكله لا بمشيئته هو؛ أي أنه لا يعمل لنفسه لكن لموكله.. على عكس القرينة المفوض لها أن تطلق ذاتها فإنها تعمل لنفسها وبمشيئتها لا بمشيئة قرينها الذي فوَض إليها فسخ العلاقة الزوجية. وتفويض القرين إلى قرينته فسخ العلاقة الزوجية هو تمليكها ذاتها منه، لكنه ليس تمليكاً كسائر التمليكات. وذلك التفويض نمط من السلوكيات الوسط بين التمليك والتوكيل فليس تمليكاً محضاً ولا توكيلاً محضاً، فيختلف التفويض عن التمليك وفي السطور التالية:
1ـ التفويض لا يسلب المفوّض حق الفعل بينما فوض فيه, فللزوج أن يطلق قرينته بعدما يفوض إليها تطليق ذاتها, أما في التملك فإن المملك عقب التمليك لا يمكن له الفعل بينما يُملكّه لغيره، ولا عنده ذاك لانتهاء حقه حينئذ, وهذا كالبائع والواهب فإنه ليس لديه أحدهما الفعل في حين باعه أو وهبه.
2ـ ايضاً يخالف التفويض التملك في أن التفويض يكمل فور الإيجاب من المفوض, لأن التفويض في معنى تعليق فسخ العلاقة الزوجية على مشيئة من فوض إليه, والتعليق يشطب فور الإيجاب بعكس التمليك فإنه لا يكمل سوى برصيد الإيجاب والقبول مثلما في الزواج والبيع. ويترتب على هذا أن المفوض ليس له حق العودة عن التفويض في أعقاب الإيجاب لأن التفويض هو على أرض الواقع تعليق فسخ العلاقة الزوجية على مشيئة القرينة, أما المملّك فله أن يعود عن إيجابه قبل إستحسان الآخر ويصح عودته حينئذ لأن الاتفاق المكتوب لم يشطب حتى الآن.
3ـ والتفويض يخالف التمليك في أنه يوجد إلى ما في أعقاب مجلس الإيجاب إذا كانت القرينة غائبة، على الرغم من أنه في التمليكات لا مفر من الرضى في مجلس الإيجاب.
ويتفاوت التفويض عن التوكيل وفي السطور التالية:
1ـ المفوض ليس له حق العودة عن التفويض وعزل قرينته عنه بينما أن الموكّل عنده العودة عن الوكالة وعزل الوكيل متى شاء.
2ـ التوكيل لو صدر بصيغة مطلقة غير مسجلة بزمن محدد، فللوكيل أن يطلق القرينة في مجلس الوكالة أو بعده, بعكس التفويض المطلق عن الزمان فإن القرينة إذا فوض إليها قرينها أن تطلق ذاتها تفويضاً بشكل حاسمً مثلما إذا أفاد لها طلقي نفسك اقتصر هذا على مجلس التفويض، فليس لها أن تطلق ذاتها في أعقاب ختام المجلس. وقد استقر بإجماع الصحابة أن التفويض المطلق على النحو المنوه عنه محدود بالمجلس وهو يتفاوت عن التفويض المحدود بزمن خاص أو عام في مختلف الأزمان.
وتفويض القرين قرينته في أن تطلق ذاتها منه من الممكن أن يكون مصحوباً بعقد الزواج وقد يكون في أعقاب تمام الاتفاق المكتوب فإن كان في أعقاب تمام الاتفاق المكتوب فهو صحيح بأي توقيت.
وإذا كان التفويض قد اقترن بالعقد ففي سلامته ما يلي:
لو كان القرين هو البادئ بالإيجاب المقترن بالتفويض مثلما إذا أفاد لها تزوجتك وجعلت العصمة بيدك تطلقين نفسك متى شئت, وقالت هي قبلت، صحّ الزواج ولم يصح التفويض في تلك الظرف؛ فلا عندها القرينة أن تطلق ذاتها لأن القرين في تلك الصيغة قد سئمّك القرينة تطليق ذاتها قبل أن لديه هو حق التطليق، وفاقد الشيء لا يعطيه؛ حيث أنه أعطاها حق التطليق قبل تمام قسيمة الزواج.. والطلاق لا يمتلكه القرين سوى حتى الآن تمام الاتفاق المكتوب، لأنه يكون أثراً من آثاره. وعقد الزواج لا يكمل فور ايجابه لكن يكمل برصيد الإيجاب والقبول وأثر الشيء لا يبقى سوى حتى الآن وجود الشيء.
أما حيث كانت القرينة هي البادئة بالإيجاب بأن تحدثت له زوجتك نفسي وجعلت عصمتي بيدي أطلق نفسي منك متى شئت، وقَإلا أن القرين ذاك، صح قسيمة الزواج.. وتم التفويض وصحّ للزوجة أن تطلق ذاتها, وهذا لأن إستحسان القرين في تلك الظرف في أعقاب صدور الإيجاب منها على النحو المنوه عنه ينصرف إلى الزواج أولاً، فيتم الزواج ثم ينصرف إلى التفويض فيصح، لأنه قد سئمّكها فسخ العلاقة الزوجية حينئذ في أعقاب مُلكه هو بإتمام الزواج، ومن ملك شيئاً صح له أن يمتلكه للغير.
وقد أجاز تشريع الظروف الشخصية السوري في المادة 88 منه التوكيل والتفويض في فسخ العلاقة الزوجية فجاء في البند 2: “للزوج أن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق ذاتها”.
والطلاق الذي يحدث من الوكيل هو طلاق رجعي سوى إذا مقال التشريع على اعتباره بائناً، وهي الحالات الثلاث: فسخ العلاقة الزوجية قبل الدخول والطلاق على ثروة (المخالعة) والطلاق المكمل للثلاث.
والسؤال هو: إذا فوض القرين فسخ العلاقة الزوجية لزوجته فطلقت ذاتها هل يحتسب رجعياً أم بائناً؟
في العالم الحقيقي إذا كانت صيغة التفويض تفيد فسخ العلاقة الزوجية أكثر من مرة فطلقت القرينة المفوضة ذاتها ثلاث مرات، بانت من قرينها. غير أن التشريع اعتبر فسخ العلاقة الزوجية طلقة واحدة مهما اقترن به من عدد، وأيضا اعتبر الدستور كل طلاق رجعياً، سوى ما عدده من الحالات الثلاث الفائتة الذكر، وعلى ذلك فالقانون يعتبر التفويض طلاقاً رجعياً. وأتى في أمر تنظيمي لمحكمة النقض السورية: “إن طلاق النفس يحدث به طلاق شخص رجعي”.
ويبقى السؤال ما هي النفع التي تحققها القرينة من طلاق ذاتها إذا اعتبرنا التفويض بالطلاق في تلك الظرف رجعياً عنده القرين فيه إعادة النظر وإعادتها إلى عصمته؟ نتصور أنّ المسألة يتطلب إلى تدخل شرعي يشطب فيه تقدير ومراعاة إرادة الطرفين واتفاقهما الذي لا يخالف الشريعة والقانون.
Originally posted 2021-11-25 20:50:58.