فيما يتعلق إلى المقاربة الاجتماعية نجد، وفق ذلك المفهوم، أن العائلة سواء الممتدة أو النووية تجسد اللبنة اللازمة التي تتشكل منها المجتمعات الآدمية.
فهي الخلية التي يتمحور حولها النسيج الاجتماعي والصورة المصغرة للتجارب الذاتية والعلائقية للواحد ما إذا كان في علاقته مع شخصيات الأسرة والعائلة أو في علاقاته مع بقية عناصر المجتمع الآخر. وهاته الروابط قد تشوبها قلاقل مثلما قد تعتريها عواطف التخابر والارتياح والتشارك، ومن شأن هاته التموجات العلائقية التي تغذيها شخصية الواحد ضِمن محيطه الأسري أو الخارجي، أن يلحق أذى وأضرارا بأحد أشخاص العائلة. ولذا الأذى من الممكن أن يكون ماديا أو معنويا ويستهدف الأنواع المكونة للعائلة،1-الأطفال 2- الأزواج 3- المنابع 4- الإخوة ..الخ. خسر اهتم الغرب بمسألة الوحشية والكرب ضِمن الوسط العائلي منذ مدة السبعينات من القرن العشرين على يد دراسة واقع الوحشية الموجه مقابل السيدات والأطفال وما تعرضت له هاته الظاهرة من التعتيم والتجاهل. وقد أرجع عدد محدود من علماء المواجهة عوامل الوحشية الأسري إلى خلل في بنية الأسرة، ولذا الخلل نجد أصله في طبيعة نسق القيم السائدة، وطبيعة الثقافة الشعبية فضلا على ذلك درجة دراية الواحد وطبيعة تكوينه الشخصي، وتلك القيم تتفاوت من مجتمع إلى أجدد، مثلما أن التغيرات التي عرضتها المجتمعات المعاصرة غيرت أنواع إستحداث الأسر والعائلات وقوت إلى حاجز ما المشاحنة بين الأجيال وعملت على تصدير ثقافة قريبة العهد وسع الهوة بين هاته الأجيال، الأمر الذي أفرزت سلوكات انحرافية ضِمن الوسط العائلي،
من وضْعها تكريس التمييز والأنانية والعنف المجاني والتخلي عن مبادئ التضامن والتشارك والإحساس بالمسؤولية الجماعية في نطاق العائلة، على يد الاستخدام الخاطئ لوسائل الاتصال الجديدة. ومن أكثر أهمية التفاصيل الشكلية التي جودة مجتمعنا الجاري هو تضارب المصالح والمقاصد الشخصية بين شخصيات العائلة الواحدة، وذلك الشأن من حاله أن ينعكس سلبا على استقرارها وتماسكها، وهكذا تطفو فوق السطح كل أشكال وتجليات القساوة والكرب. ومجتمعنا المغربي غير ممكن عزله عن ذاك التوجه، فظاهرة الشدة الأسري متواجدة بثقلها في نسيجنا الاجتماعي وتحتدم في خط متدرج على يد ما تطلعنا فوقه الفضائيات والمواقع والصحف، وفي مقدمتها القساوة في مواجهة المصادر وعكس الإناث، وما يتعرض إليه عدد محدود من الأطفال من إهمال وتشرد وحرمان من التعليم والتربية من طرف ذويهم. إن أكثر الشخصيات عرضة للعنف الأسري هم الأطفال والنساء،
ومن شأن هذا أن يترك تأثيره على العائلة، كبنية ذات عقب وظيفي تعمل على تقوية النظام الاجتماعي وتربية النشء، مادامت المركبات الموجبة ضِمن المنظومة الأسرية تقلصت لفائدة المكونات الهدامة، ومن ثم فإن كل إجراء ورد إجراء قد يحملان شواهد تسجيل الضرر والأذى بأحد شخصيات العائلة، ولو كان قليل من علماء المقابلة يرجعون القمع الأسري إلى سيطرة سلطة الرجل في نطاق العائلة كنسق من البنى والإجراءات الاجتماعية القاضية، بإخضاع الإناث وقمعهن واستغلالهن في محيط ما يعلم بالنزعة «البطريركية»،
فإن ذلك التنظير الذي تبنته وافرة شركات وحركات المجتمع المواطن أتى مجانبا للصواب، لأن الوحشية الأسري تجد علته في وافرة أسباب مغايرة ومتغايرة، نفسية واقتصادية وسوسيو ثقافية تغذي هاته الظاهرة، والتي يجب الحد منها عن طريق إسترداد الاعتبار للمنظومة التربوية وللنظام التعليمي على العموم، وتحصين التراث الثقافي من سيطرة التيارات الفكرية ذات شحنة ثقافية سلبية والتي تتسرب لمجتمعنا. فلقد أثبتت دراسة أجريت على عينة من الأطفال والمراهقين أن القيم التي تنقلها المدرسة وترغب بتها، ليست على وجه التحديد التي تقوم بتقديمها التلفزة، وأن المحتويات الشديدة تترك تأثيرا سلبا في الاندماج الاجتماعي لهؤلاء المراهقين.
وتلك التعليم بالمدرسة منشورة بعنوان «قراءة في المسلسل المتسارع لموت المدرسة» بمجلة منظور، الصفحة 64 عدد مزدوج أربعين-41 (سنة 2009). وذلك راجع، لأن سلوك المراهق يمتاز بعدم الاستقرار في المواقف والتوق إلى الاستقلالية وتحقيق الذات والتمرد على الراشدين، والذي يفرز في نظرنا ردود تصرف عنيفة، لهذا بنبغي خلق قنوات للتواصل بين كل الفاعلين في الحقل الاجتماعي، من شركات البلد والمجتمع المواطن وقطاع الإعلام والقطاع الثقافي، غرض إستحداث إلمام جماعي باستطاعته أن تكريس دور العائلة والأسرة في النسيج الاجتماعي لتخطي الحالة الحرجة المجتمعية الراهنة بجميع ما تحمله من آثار وتجليات، فلو كان ذلك الطرح يدخل في نطاق القراءة الاجتماعية لمعنى الوحشية الأسري فإننا نتساءل كيف تلا الفقه الإسلامي هاته الظاهرة؟
اهتمت الشريعة الإسلامية بالأسرة اهتماما كبيرا وحددت حقوق وواجبات الأنواع المكونة من الأزواج والتوزيعات والمناشئ، واعتبرها ابن وجهة نظر بأنها-الدرع الحصينة التي يحتمي بها الإنسان لدى الاحتياج ويتقوى بها- وجعل الله ارتباط الرجل بالمرأة ارتباطا كريما مقصده الإحصان والعفاف، وهذا على وجه الدوام، إذ صرح الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات» وأتى في سورة الروم كلامه هلم،» ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في هذا لآيات لقوم يتفكرون»، وبنية العائلة موجودة في كتاب الله الكريم وهي الخلية الأولى والأساسية للمجتمع الإنساني.
وانطلاقا من ضرورة ودور العائلة في إرساء الإنشاء المجتمعي، ولقد أحاطتها الشريعة الإسلامية السمحاء بجميع مقومات الحراسة، وعملت على تقويتها بواسطة نبد القساوة بين أشخاص العائلة، وخلق ضوابط وقواعد الإجلال والتقييم بينهم، وتحديد واجبات وحقوق كل شخص من بينهم بحسب ما ينص أعلاه الشرع الحكيم، إذ فريضة الله سبحانه وتعالى على الأولاد لازم البر وبر الوالدين، لكلامه هلم» وكلف ربك أن لا تعبدوا سوى إياه وبالوالدين إحسانا». وبحسب علل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فإن هدف الإسلام من الموضوع بالبر بالوالدين، يسير إلى أمرين أحدهما نفسي هو تربية النفوس على الاعتراف بالجميل لصانعه، والـ2 عمراني، هو أن تكون علاقات الأسرة ذات بأس العرى ومشدودة الوثاق.
وتتجلى التزامات الوالد صوب ابناءه في ولاية الحضانة، أي مراعاة الوالد بالابن أثناء الفترة التي لا يمكن له فيها الأخير، القيام بشؤونه وحاجاته بشخصه والولاية على النفس وتهم منحى التخزين والتأديب والتهذيب حتى ينهي توجيه الابن توجيها سليما، والولاية على الملكية بحيث يجب الوالد بحسن تدبيره وتسيير ملكية ابنه.
مثلما أن للزوجة ضِمن العائلة حقوقا مشتركة وأخرى خاصة بها وان الله تعالى تحريم القرين من الإضرار بالزوجة وأمره بتبجيلها وتقديرها والاهتمام بها لكلامه «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»، والإنفاق فوقها وعلى أبنائه، لأن الإنفاق هو التزام قانوني مفروض على القرين ينبغي أعلاه القيام به، وحتى في موقف وجود ما يكدر صفو الحياة الزوجية، فإن فسخ العلاقة الزوجية يوجد الحل الأخير، لا يكمل اللجوء إليه، سوى في حواجز صرف ضرر أمتن منه.
صرح الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه، «فسخ العلاقة الزوجية إثنان من المرات فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، ولقوله هلم، «إذا طلقتم الإناث فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل هذا ولقد بغي ذاته». مثلما اهتمت الشريعة الإسلامية بمؤازرة روابط القرابة بين أشخاص العائلة والأسرة رابط الرحم بينهم، وتشجيع المسلمين على معاونة الشديد الهزيل من بينهم، كل ذاك في محيط التكافل والتعاون في نطاق نهج العائلة ونبد كل أنواع الوحشية كيف ما كانت أسبابه، لهذا يلزم مساندة الجهة الروحي والعقائدي للنشء حتى يتسنى لهم التشبع بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، لأن الإسلام عقيدة وشريعة يعد منهجا للحياة.
ذاك عن المقاربة الاجتماعية والدينية بشيء من الإيجاز ويبقى الاستفسار المطروح، كيف تعاملت المقالات الشرعية والشرعية مع ظاهرة القساوة الأسري، ولذا ما سنتناوله على يد المقاربة الشرعية.
Originally posted 2021-11-25 20:54:30.