مقال لتفنيد حجج القائلين بظلم نظام المواريث في الإسلام 2022

مقال لتفنيد حجج القائلين بظلم نظام المواريث في الإسلام 2022

ثار مناقشة في الاونة الاخيرة بخصوص ضرورة تطوير متطلبات مدونة العائِلة التي تسري على نمط الارث بما يصون المساواة المزعومة بين الذكور و الاناث، الأمر الذي أفضى إلى إحراز صنف من التشكيك في عدالة ذلك النسق بين أصناف واسعة من المجتمع المغربي، و انبرت أشكال أخرى من العلمانيين المتطرفين لحشد أقلامهم و شحذها غمزا و لمزا في عدالة القانون الاسلامي عامة، و كثرت الإدعاءات الجوفاء بوجوب تجديد الشريعة و أنسنتها ( كذا) و فتح باب ما توهمه هؤلاء اجتهادا و قراءة معاصرة لأحكام الشريعة بما يتوافق في زعمهم مع اتفاقيات حقوق الانسان و حظر أنواع المفاضلة في مواجهة المرأة.

و الغرض من ذاك الموضوع خطبة تهافت إدعاءات هؤلاء و كونها لا تتعدى دائرة الاوهام، بغض البصر عن الاهداف المغرضة التي تتخفى خلف ستار مثل تلك الخرجات الاعلامية، التي يتزعمها تيار مُجدي يتوسل برأسماله الاجتماعي و الثقافي متصدرا المحافل المشبوهة.

و الملاحظ أن إدعاءات عدم مساواة منظومة الارث الاسلامي تتركز اساسا على الطعن في أحكام الاية الكريمة الآتية ( يوصِيكُمُ ?للَّهُ فِي? أَوْلَ?دِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ?لأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ?ثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ?لنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ?لسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ?لثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ?لسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ أغسطسَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ?للَّهِ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً )، و الوضع أن مثل ذاك إيلاء الاهتمام فيه صنف من التغليط للمتلقي لذلك البيان النقدي، لأنه لا يراعي التوجه العام لأحكام الارث في مجموعها من ناحية، مثلما أنه ينحصر في مختلف الاحوال في استهلال الاية ليس إلا اي في تصريحه إيتي (يوصِيكُمُ ?للَّهُ فِي? أَوْلَ?دِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ?لأُنْثَيَيْنِ ) و لا يسري على بقية الاحكام التي تلت ذلك الاستهلال.

و قبل كلام قليل من تجليات عدالة تشريع المواريث الاسلامي و عدم محاباته لطرف دون أجدد من ذوي قرابة المتوفى، يتحتم أن التذكير من كون أحكام القرآن توقيفية من إذ الاصل، لأنها فرع مؤيد لصحة الاعتقاد في قدسية ذاك المقال و كونه وحيا منزلا، الأمر الذي يكون برفقته التسليم بتلك الاحكام و الانقياد لها يدور وجودا و عدما مع صحة الاعتقاد، و في ذلك المعنى يقول الشهيد سيد قطب في سياق تفسيره للآية المشار إليها سابقا

(إن الله هو ما يوصي , وهو ما يفرض , وهو ما يقسم الميراث بين الناس – مثلما أنه هو ما يوصي ويفرض في جميع الأشياء , وكما أنه هو ما يقسم الأرزاق جملة – ومن لدى الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين , وعن الله يتلقى الناس في أخص أمور حياتهم – وهو تجزئة نقودهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم – ولذا هو الدين .

فليس ثمة دين للناس إن لم يتلقوا في أمور حياتهم جميعها من الله وحده ; وليس ثمة إسلام , إذا هم تلقوا في أي وجّه من تلك الأشياء – جل أو حقر – من أصل أجدد .

إنما يكون الشرك أو الكفر , وتكون الجاهلية التي أتى الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس)

و يضيف الاستاذ الشهيد سيد قطب (وإن ما يوصي به الله , ويفرضه , ويحكم به في حياة الناس – ومنه ما يصبح على علاقة بأخص شؤونهم , وهو قسمة نقودهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم – لهو أبر بالناس وأنفع لهم , الأمر الذي يقسمونه هم لأنفسهم , ويختارونه لذرياتهم ، فليس للناس أن يقولوا: إنما نختار لأنفسنا . وإنما نحن أدري بمصالحنا … فهذا – فوق أنه باطل – هو في الزمان نفسه توقح وتبجح، وتعالم على الله، وادعاء لا يزعمه سوى متوقح جهول ..)

و يلمح الاستاذ سيد قطب أن مثل تلك الإدعاءات المثارة في العصر الحوار أثيرت بطريقة أخرى طوال إنخفاض الوحي، ويقول في هذا (فهذا كان منطق الجاهلية العربية , الذي كان يحيك في عدد محدود من الصدور ; وهي تجابه إنفاذ الله وقسمته العادلة الحكيمة . . ومنطق الجاهلية الموجودة الذي يحيك في قليل من الصدور اليوم – وهي تجابه فرض الله وقسمته – لعله يتفاوت بكثرة أو بشكل بسيط عن منطق الجاهلية العربية . فيقول: كيف نعطي الثروة لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري ? ولذا المنطق كذاك . . كلاهما لا يفهم الحكمة , ولا يتعهد الأدب ; وكلاهما يجمع من ثم بين الجهالة وسوء الأدب ! )

و بغض البصر عن الخاصية التوقيفية لنظام المواريث الاسلامي، فإن التأمل في صيغة الاية الفائتة يتبين أن المولى عز و جل جعل نصيب الانثيين هو الحجم الذي يقدر به نصيب الذكر، و في ذاك نكتة لطيفة أوردها جمع من المفسرين، و ممن نوه إلى ذلك المعنى الامام ابن عاشور في تفسيره الاستقلال و التنوير حيث يقول في هذا

( (وتصريحه: { للذكر مثل حظ الأنثيين } جعل حظّ الأنثيين هو الكمية الذي يقدّر به حظّ الذكر، ولم يكن قد تقدّم تكليف حظّ للأنثيين إلى أن يقدّر به، فعُلم أنّ المرغوب تضعيف حظّ الذكر من الأبناء على حظّ الأنثى من بينهم، و كان قد ذلك المرغوب صالحاً لأن يؤدّى بحوالي: للأنثى 1/2 حظّ ذكر، أو للأنثيين مثلّ حظّ ذكر، حيث ليس المقصود سوىّ خطاب المضاعفة. غير أن قد أوثر ذاك التعبير لنكتة لطيفة وهي الإيماء على أن حظّ الأنثى بات في اعتبار الشرع أهَمّ من حظّ الذكر، حيث كانت مهضومة الجهة لدى أهل الجاهلية فصار الإسلام ينادي بحظّها في أول ما يقرع الأسماع قد عُلم أنّ قسمة الملكية تكون بكون عدد البنين والإناث. )

و غني عن الكلام أن من ضمن عوامل استحقاق الذكر مثل حظ الانثيين في تلك الاية اهتمام الالتزامات التي تقع على الرجل بشأن النفقة و إعفاء المرأة منها، و إن كنا نظن أن ذلك يوجد سببا من الاسباب التي لا تقع على طريق الحصر مثلما ظن ذاك غلاة العلمانيين و من حذا حذوهم ممن يزعم حدوث أحوال قريبة العهد من وضْعها محو تلك الاية، و هي هذه الأحوال المرتبطة بولوج المرأة لسوق المجهود و إشتراكها للرجل في جلَد كميات وفيرة من الأسعار على أرض الواقع العملي، كأن المرأة لم تكن لها اموال تديرها في الصدر الاول من الاسلام و ما تلاه،

مع العلم أن الشريعة الاسلامية لم تصادر ثروات المرأة لفائدة قرينها أو تحجب فوقها الاتجار في أموالها الا بإذن قرينها مثلما هو الشأن في كميات وفيرة من التشريعات الاوروبية و منها الدستور الفرنسي التجاري الذي نقله المشرع التجاري المغربي الملغى حرفيا فالزم المرأة المتزوجة وجوب الاستحواذ على اذن قرينها قبل مزاولة التجارة، قبل أن يلغى هذا بصدور مدونة التجارة سنة 1996، و الوضع أن الشريعة الاسلامية لا تعرف مثل ذلك الفئة من المصادرة او التحريم.

و لقد اعتبر الشيخ الشعراوي في خواطره أن كلامه هلم (للذكر مثل حظ الانثيين) فيه محاباة للمرأة و ليس للرجل، و تلك عبارته

(والذين يقولون: ذاك أول بغي يصيب المرأة، نرغب المساواة. نقول لهم: انظروا إلى العدالة هنا. فالذكر مرغوب له قرينة ينفق فوقها، والأنثى مرغوب لها ذكر ينفق فوقها، إذن فنصف حظ الذكر يكفيها إن عاشت دون زواج، وإن تزوجت فإن النصف الذي يخصها سيبقى لها، وسيكون لها قرين يعولها.

إذن فأيهما أكثر حظاً في القسمة؟ إنها الأنثى. ولذلك جعلها الله المنبع والمعيار كلما صرح: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ?لأُنْثَيَيْنِ.. } [النساء: 11] فهل في ذلك القول جور أو فيه محاباة للمرأة؟ إن في ذلك القول محاباة للمرأة؛ لأنه أولاً جعل نصيبها المكيال الذي يُرد إليه المسألة؛ لأن الرجل المرغوب منه أن ينفق على الأنثى، وهي مرغوب لها قرين ينفق فوق منها. إذن فما تأخذه من 1/2 حظ الذكر يكون خالصاً لها، وقد كان ينبغي أن تقولوا: لماذا حابى الله المرأة؟ لقد حابى الله المرأة لأنها إبداء، فَصَانَها، فإن لم تتزوج تجد ما تنفقه، وإن تزوجت فهذا خصوصية من الله. )

و يوميء الشنقيطي إلى نفس المعنى في تفسيره اضواء الخطاب فيقول //

(لم يبين هنا حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما ما إذا كان في القرابة.

غير أنه نوه إلى ذاك في مقر أجدد وهو تصريحه إيتي: (?لرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ?لنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ?للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)

لأن الحاضر على غيره المنفق ممتلكاته فوق منه مترقّب للنقص باستمرارً، و المَقُوم أعلاه المنفق فوقه الملكية منتظر للارتفاع باستمرارً، والحكمة في إيثار مترقّب قلة التواجد على مترقّب الزيادة جبراً لنقصة المترقّب ظاهرة جِداً.)

و من جانبه يبدو الاستاذ سيد قطب ان الامر ليس فيه اي محاباة و يقول في ذاك

(وليس المسألة في ذاك وجّه محاباة لجنس على حساب جنس . إنما الموضوع وجّه توازن وعدل بين جهود الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي وفي النسق الاجتماعي الإسلامي: فالرجل يتزوج امرأة , ويكلف إعالتها وإعالة أبنائها منه في مختلف ظرف , وهي بصحبته , وهي مطلقة منه . . .

أما هي فإما أن تقوم بشخصها فحسب , وإما أن يجريها رجل قبل الزواج وبعده سواء . وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأولاد في أي حال . . فالرجل مكلف – على أقل ما فيها – تضاؤل جهود المرأة في التكوين العائلي , وفي الإطار الاجتماعي الإسلامي .

وهكذا يوضح الإنصاف مثلما يظهر التناسق بين الغنم والغرم في ذلك التقسيم الحكيم .

ويوضح كل خطبة في ذاك التجزئة جهالة من جهة وسوء أدب مع الله في المقابل , وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسري لا تستوي بصحبتها حياة )

(فالله هو ما خلق الآباء والأولاد . والله هو ما أعطى الأرزاق والأموال . والله هو ما يفرض , وهو ما يقسم , وهو ما يشرع . وليس للبشر أن يشرعوا لأنفسهم , ولا أن يحكموا هواهم , مثلما أنهم لا يعرفون مصلحتهم ! )

(إن ذلك الإطار في التوريث هو الإطار العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء ; ومع واقعيات الحياة الأسرية والآدمية في جميع حال . يوضح ذاك واضحا حين نوازنه بأي نسق أجدد , عرفته الإنسانية في جاهليتها القديمة , أو جاهليتها القريبة العهد , في أية بقعة من بقعر الأرض تماما . )

(إنه منظومة يراعي معنى التكافل العائلي كاملا , ويوزع الأنصبة على كمية لازم كل واحد في العائلة في ذلك التكافل . فعصبة الميت هم أولى من يرثه – حتى الآن أصحاب الفروض كالوالد والوالدة – لأنهم هم أيضا أكثر قربا من يتكفل به , ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم . فهو منظومة متناغم , ومتكامل .

وهو نمط يراعي منبع تكوين العائلة الإنسانية من نفس واحدة .

فلا يحظر امرأة ولا صغيرا فقط لأجل أنه امرأة أو ضئيل . لأنه مع رعايته للمصالح العملية – مثلما بينا في العبارة الأولى – يرعى ايضا مبدأ الوحدة في النفس الواحدة . فلا يميز جنسا على جنس سوى بمقدار أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي .

وهو منظومة يراعي طبيعة الفطرة الحية بصورة عامة , وفطرة الإنسان بصورة خاصة . فيقدم الذرية في الإرث على المنابع وعلى باقي القرابة . لأن الجيل الناشىء هو وسيلة الامتداد وحفظ النمط . فهو أولى بالمراعاة – من منظور الفطرة الحية – ومع ذاك فلم يحظر المصادر , ولم يحظر باقي القرابات . لكن جعل لكم نصيبه . مع انتباه منطق الفطرة الراسخ.

وهو نسق يتمشى مع طبيعة الفطرة ايضاً في تلبية رغبة المخلوق الحي – ولاسيما الإنسان – في أن لا تنقطع صلته بنسله , وأن ينبسط في ذلك النسل .

وهكذا ذلك الإطار الذي يلبي تلك الرغبة , ويطمئن الإنسان الذي فعل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله , حتّى نسله لن يحظر من ثمرة ذاك الشغل , وأن جهده سيرثه أهله من بعده .

الأمر الذي يدعوه إلى مضاعفة العمل ومما يصون للأمة الاستفادة والمكسب – في مجموعها – من ذلك الشغل المضاعف . مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح الشديد في ذلك النسق .

وفي النهاية فهو نهج يصون تفتيت الملكية المتجمعة , على رأس كل جيل , واسترداد توزيعها مكررا . فلا يترك مجالا لتضخم الملكية وتكدسها في أيد عددها قليل وطيدة – مثلما يحدث في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر طفل صغير ذكر , أو تحصره في طبقات عددها قليل – وهو من تلك الناحية وسيلة متجددة الفاعلية في إسترداد التنظيم الاستثماري في الجماعة , ورده إلى الاعتدال , دون تدخل مباشر من السلطات . .

ذلك التدخل الذي لا تستريح إليه النفس الآدمية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص والشح . فأما ذلك التفتيت المطرد والتجزئة المتجدد ; فيتم والنفس به راضية , لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها ! وذلك هو الفارق العريق بين قانون الله لتلك النفس وتشريع الناس ..)

وتحدث الإمام الذري – رحمه الله – في خطبة الحِكمة مِن تفضيل الرجال على الحريم في الإرْث: (حِكمته أنَّ الرجال تلحقهم مؤنٌ وفيرة في القيام على العيال، والضيفان، وصعوبة النومَّاء، والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمُّل الإجراءات العقابية وغير هذا، والله أعرف.)

و أما الفيلسوف الامام بديع الزمن فرحان النورسي فيرى أن القاعدة القرانية ( للذكر مثل حظ الانثيين) تنبني على غايات حكيمة من وضْعها حماية وحفظ الأواصر الاسرية بين الاخوة و الاخوات، بحيث تحتفظ الاخت بمكانة فريدة في ذلك النظام، يقول النورسي

( ان الحكم القرآني (فللذكر مثلُ حظِّ هذه اللّحظةُثيين) (الإناث:176) بحت العدالة وعين الرحمة في ذات الوقت نعم، ان ذاك الحكم عدالة؛ لأن الرجل الذي ينكح امرأة يتكفل بنفقتها مثلما هو في الاكثرية المطلقة. أما المرأة فهي تتزوج الرجل وتذهب اليه، وتحمّل نفقتها فوقه، فتلافي نقصها في الارث

ثم ان الحكم القرآني رحمة؛ لأن هذه الفتاة الضعيفة محتاجة بكثرةً الى شفقة أبوها وعطفه أعلاها والى رحمة اخيها ورأفته بها فهي تجد – وفق الحكم القرآني – هذه الشفقة فوقها من أبوها وعطفه دون ان يكدرها نصح، اذ ينظر اليها أبوها نظرة من لا يخاف منها ضرراً، ولا يقول بانها سوف تكون سبباً في انتقال 1/2 ثروتي الى الاجانب والاغيار. فلا يشوب هذه الشفقة والعطف الابوي الانتباه والقلق

ثم انها تشاهد من اخيها رحمة وتأمين لا يعكرّها حسد ولا مسابقة، اذ لا ينظر اليها اخوها نظر من يجد فيها منافساً له من الممكن أن تبدد 1/2 ملكية ابيهما بوضعها في يد الاجانب. فلايعكر صفو هذه الرحمة وتوفير الحماية حقد وكدر.

فتلك الفتاة اللطيفة الرقيقة فطرة، والضعيفة النحيفة خلقة، تفقد في تلك الظرف شيئاً بشكل بسيطً في بديهي الموضوع. الاّ انها تكسب – بدلاً منه – مال لا تفنى من شفقة الاقارب وعطفهم فوق منها ورحمتهم بها.

والاّ فان اعطاءها نصيباً اكثر الأمر الذي تستحق بذريعة ان ذاك رحمة في حقها ازيد من رحمة الله سبحانه، ليس رحمة بها قط لكن بغي شنيع في حقها، من المحتمل يفتح سبيلاً في مُواجهة الحرص الوحشي المستولي على النفوس في ذلك الدهر لارتكاب بغي أشنع، يذكّر بالغيرة الشدة التي كانت مستولية على النفوس في زمن الجاهلية في وأدهم الإناث. فالاحكام القرآنية جميعها تصدّق – مثلما يصدّق ذاك الحكم – تصريحه هلم: (وما ارسلناك الاّ رحمة للعالمين) (الانبياء:107) )

و من الملاحظ أن الفقه الاسلامي المعاصر يجمع على ضرورة تأدية متطلبات تشريع المواريث مثلما ورد في القرآن و السنة ، و الامر انعقد فيه إجماع الامة مؤخرا و قديما، و مثال على ذلك فإننا نجد شيخ الازهر الماضي طنطاوي على الرغم من تسامحه المبالغ فيه فيما يتعلق كميات وفيرة من أحكام الشريعة و خاصة منها ناحية التداولات المادية و اباحته للفوائد المصرفية بذريعة أنها ليست من الربا، الا انه يعد في تفسيره الوسيط ان تأدية احكام المواريث واجبا مؤكدا على الامة و خاصة ما يصبح على علاقة منه بالآية نص التشكيك، و تلك عبارته

(وصدر – سبحانه – تلك القرارات بقوله { يُوصِيكُمُ } اهتماما بخصوصها، وإيذانا بضرورة سرعة الامتثال لمضمونها، حيث الوصيية من الله – هلم – إيجاب أكيد.

وقد جعل – سبحانه – نصيب الذكر تضاؤل نصيب الأنثى، لأن التكاليف المادية على الأنثى تقل بكثرةً عن التكاليف المادية على الذكر، حيث الرجل مكلف بالنفقة على ذاته وعلى أبناءه وعلى قرينته وعلى جميع من يعولهم فيما المرأة نصيبها من الميراث لها خاصة لا يشاركها فيه مساهم.

وبهذا يتبين أن الإِإطمئنان قد أكرم المرأة قصد الإِكرام إذ أعطاها ذلك النصيب المخصص بها من الميراث بعدما كانت فى الجاهلية لا ترث شيئاً.

ولم يقل – سبحانه – للذكر تدهور نصيب الأنثى، لأن التدهور قد يقر المثلين فصاعدا، فلا يكون نصا )

و الأمر الذي يجب التذكير به هنا أن الإدعاءات التي اثارها المجلس الوطني لحقوق الانسان ليست قريبة العهد العهد، لأنها أثيرت قبل هذا من الطاغية العلماني المتعصب كمال اتاتورك الذي نشد طمس أحكام الشرع الاسلامي في تركيا و على قمتها دستور المواريث، و انتحلها الحبيب بورقيبة في تونس الذي عدل متطلبات جريدة الاحوال الشخصية التونسية و إلا بين الذكور و الاناث في الارث و قام بإلغاء التعدد،

و هي نفس الاجراءات التي قام بتنفيذها بالحديد و النار دكتاتور الصومال الفائت الشيوعي محمد زياد بري الذي عدل نمط المواريث سنة 1970 وأتى – حتى الآن ذاك – على لسانه في الصحيفة الأصلية كلامه: “كنا نسمع عن أقوالٍ تقول الربع والثلث والخمس والسدس، فإنَّا نقول: إنَّ ذاك لا وجودَ له حتى الآنَ اليوم، وإنَّ الصبي والفتاة متساويان في الميراث”)

و هنا نتساءل هل عنده المجلس الوطني لحقوق الانسان و غيره من شركات المجتمع المواطن ذات النزعة العلمانية المتشددة والغير معتدلة الشجاعة الادبية و الجرأة للطعن في تشريع الاحوال الشخصية العبري المغربي، و هو التشريع الذي يسري على الرعايا اليهود المغاربة، و المستمد من العهد السحيق و التلمود اليهودي و شروحه و ايضاً من منابع الفقه اليهودي المغربي الذي ثبت أعلاه الاحبار المغاربة مثل ( بن هاعيزر)، و (حوشي ميش أصبح) و (هاتا كانوت هامش) و(أمسى هاعبري).

و غير هذا من الأصول اليهودية، علما أنه يحتوي أحكاما خاصة بالميراث منصوص بها على حرمان القرينة من الميراث بينما تركه بعلها، وإذا كان من حقها أن تقيم من تركة قرينها المتوفى ، و الوضع أن للزوج أن يرث في تركة قرينته، لكن إن كل ما تمتلكه القرينة يؤول بوفاتها ميراثا شرعيا إلى قرينها وحده، لا يشاركه فيه واحد من من أقاربها ولا أولادها سواء كانوا منه أم من رجل أجدد.

و من خصوصيات الشريعة الموسوية ايضاً ان المراة اليهودية المتوفى عنها قرينها و التي لم تخلف منه ابناء تكون ملزمة بالزواج من اخ الهالك بالرغم عنها، و يحق لذلك الاخير اللجوء الى المحكمة إذا رفضت متوفى زوجها اخيه الزواج منه، و يحق لتلك الاخيرة ان تفدي ذاتها منه بحسب مسطرة خاصة، بحيث تضربه بنعلها فوق رأسه في جلسة علنية في مُواجهة القضاة العبريين.

مثلما أن الدستور اليهودي منصوص به على أنه إذا توفى الوالد كان ميراثه لأبنائه الذكور وحدهم دون الاناث، ويكون للولد البكر مثل حظ اثنين من اخوته الأصغر منه سنا،و هذا إنفاذا لما ورد في العهد العتيق و على وجه التحديد في سفر التثنية أنه

(إِنْ كَانَ رَجُلٌ مُتَزَوِّجاً مِنِ امْرَأَتَيْنِ، يُؤْثِرُ إِحْدَاهُمَا وَيَنْفُرُ مِنَ الأُخْرَى، فَوَلَدَتْ كِلْتَاهُمَا لَهُ أَبْنَاءً، وَكَانَ الابْنُ الْبِكْرُ مِنْ إِنْجَابِ الْمَكْرُوهَةِ، فَحِينَ يُوَزِّعُ مِيرَاثَهُ عَلَى أَبْنَائِهِ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ الزَّوْجَةِ الأَثِيرَةِ لِيَجْعَلَهُ بِكْرَهُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى بِكْرِهِ ابْنِ الزَّوْجَةِ الْمَكْرُوهَةِ. بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِبَكُورِيَّةِ ابْنِ الْمَكْرُوهَةِ، وَيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَوَّ

لُ مَظْهَرِ قُدْرَتِهِ، وَلَهُ حَقُّ الْبَكُورِيَّةِ)

ومما تجدر الاشارة له هنا انه لا يمكن للإناث اليهوديات في الدستور العبري المغربي ان يرثن مع الذكور، و إذا كان لهن حق النفقة من التركة حتى تتزوج الواحدة منهن أو تصل سن البلوغ، مثلما يكون للبنت ايضاًً على إخوتها الذكور سعر مهرها من التركة بمقدار ثمن ما كان سيدفعه لها والدها،

ولا يحق للإناث أن يرثن في تركة ابيهم ال اغذا لم يخلف ذكورا و ذاك بنص العهد السحيق و بالتحديد في سفر العدد الذي أتى فيه (وَأَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَيَّ رَجُلٍ يَمُوتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْلِفَ ابْناً، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ تُعْطُونَ مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، فَأَعْطُوا مُلْكَهُ لأَعْمَامِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَامٌ، فَأَعْطُوا مُلْكَهُ لأَقْرَبِ أَقْرِبَائِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَيَرِثَهُ. وَلْتَكُنْ هَذِهِ فَرِيضَةَ قَضَاءٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى)

و بالاضافة إلى ذاك فإن الأم اليهودية لا ترث من وَلدها ولا من بِنتها وإن ماتت هى يكون ميراثها لابنها إذا كان لها ابن، و سوى كان الميراث لابنتها، فإذا لم يكون لها طفل صغير ولا طفلة فميراثها يكون لأبيها و جدها منه أو جد ابيها، و لا نصيب لامها البتة، و إذا كان رجل يهودي يورث كلالة ( اي ليس له اولاد) فيرثه والده و لا شيء لأمه، فإن كان ابوه متوفي فالميراث ينتقل لأخوته الذكور ليس إلا.

و نحن لا نود هنا أن نثير الحوار بشأن تشريع الاحوال الشخصية المغربي العبري و نكن له الإجلال و التوقير الواجبين، بكونه تشريعا وطنيا فريدا في الدنيا باسره، لأنه يعترف بخصوصيات الطائفة اليهودية المغربية ، و هو الامر الذي لا يتلذذ به اليهود حتى في ارقى الدول الاوروبية المتطورة، و لكننا نرغب التنبيه الى ان أساسيات ذلك التشريع منصوص بها على أحكام في قصد التفاوت بين الذكور و الاناث وفقا لمعيار الجنس فحسب، و انه بمقارنة تلك المتطلبات مع احكام الشريعة الاسلامية المرتبطة بميراث المراة نلمح هنالك فرقا شاسعا، لأن اصل استحقاق المرأة للميراث في الاسلام أوسع نطاق من غيره من الشرائع الاخرى ذات الأصل الديني، مع العلم أن الاناجيل التي يتم تداولها عند الأقباط اليوم ( و هي اناجيل لوقا و مرقص و يوحنا و متى) لا تشتمل نظاما تشريعيا خاصا بقسمة الميراث.

ولابد أن نقول بمصداقية أن الموضوع ترتبط أولا و آخرا بمحاولة التشكيك في احكام المواريث في الشريعة الاسلامية، و لا تربطها رابطة بحق المساواة المزعوم بين الجنسين، و لذا يقتضي صد مثل تلك القصف الجوي المغرضة ببيان نطاق عدالة الدستور الاسلامي و مراعاته لمبادئ الانصاف و توافقه مع الحس الصحيح و اتصافه بالوسطية و الاعتدال.

فمما لاشك فيه أن نمط الميراث في القانون الإسلامي صبي كاملاً، ولم يفتقر لأية إضافة أو تطوير، أو نمو، على عكس غيره من النظم التي احتاجت إلى العدد الكبير من الدهر حتى تتبلور وتتضح معالمها.

مثلما أنه لم يستفد من النظم الفائتة فوقه، ولم يتأثر بها، ولم يقتبس منها، لعدم دراية رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، الأمر الذي يدل على أساس أنه دستور رباني أنزله الذي خلق الإنسان، ويدري ما يصلحه، و لذا يشاهد شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ان جميع احكام ذاك القانون منصوص فوق منها، و إذا كان غيره يشاهد ان بعضها قد استقر بالاجماع و بعضها بالقياس، و ذاك لا ينقص من وضْعه لأن جميع موارد الاجماع و الاحوال المقاس فوقها منصوص أعلاها مثلما يلمح عدد محدود من المحقِّقين.

خسر شهد المستشرق ( فون كريمر) لنظام المواريث الاسلامي بالقعر وقتما صرح أن (تشريع الميراث الاسلامي فئة اصيل رائع من الدستور الاسلامي)، ولو كان من المسلم به خطاب أن الاصالة و الامتياز لا يتسم بهما تشريع الميراث الاسلامي لاغير، و إنما تتسم بهما إجمالي احكام الشريعة الاسلامية القطعية الإشارة، و ما يلحقها من فقه رصين،

و لذا يحتسب المستشرق العلامة سانتيلانا أن الفقه الاسلامي قد وصل مدة الحق المطلق الذي هو اساس المجتمعات المتدنة قاطبة، و ان فقه الشريعة الاسلامية قد استحق اجل المديح من علماء الدستور و ان فضله هو الباقي على مر الدهور، مثلما يشاهد المستشرق الالماني جوزيف شاخت أن من أكثر ما اورثه الاسلام للعالم الحضاري قانونه الديني الذي يعرف بإسم بالشريعة و التي تتفاوت اختلافا واضحا عن جميع اشكال التشريع..إنها دستور مميز في بابه و ابرز ما يميز طريقة العيش الاسلامية، و هي صميم الاسلام.

Originally posted 2021-11-28 21:07:20.

Copyright © 2019 hayamgomaa.com. All right reserved

اتصل الان