الصادر بخصوصه الظهير الشريف رقم 178-1-1 بتاريخ 22 تشرين الثاني 2011 ما يرتبط بعقدي الهبة والصدقة، ومن ثم وجد حاليا قانون يمكن العودة إليه وتنفيذ فصوله على العقدين المذكورين، إضافة إلى ذلك القانون المرتبط بالوصية الممنهج بموجب مدونة العائلة.
ذلك الدستور وإن أتى متأخرا بمثابة أن جمهورية مصر العربية سبقتنا إليه منذ سنة 1947 بسنها تشريعا خاصا يصبح على علاقة بالهبة، فإن المشرع المغربي قد أفضل صنعا حالَما خطى تلك الخطوة.
خسر استقى المشرع المغربي في مدونة الحقوق الحسية أحكام تم عقده الهبة من الفقه الإسلامي ومن الشغل القضائي، وصاغ النُّظُم الفقهية في مواد بلوَرة ميسرة الإدراك تستجيب لحل أبرز المنازعات التي يطرحها تم عقده الهبة، هذا أن تم عقده الهبة بالخصوص -والمغاربة مجبولين على حب الخير والإحسان والصدقة والتقرب للخالق سبحانه- يطرح عديدة منازعات وإشكالات، وتضاربت في شأن حلها القرارات القضائية، هذا أن ذلك الاتفاق المكتوب قد يبرم طوال حياة الواهب وهو في أكمل عافيته،
وقد يبرم خلال مرض الهلاك، وقد يكون مقال الهبة عقارا محفظا، أو في طور التحفيظ أو عقارا غير محفظ، وقد تكون الهبة من باب المحاباة والإضرار بالورثة، واختلفت الافكار في مقال حيازة الملك الموهوب ومحددات وقواعد هذه الحيازة، مثلما أن العودة في الهبة أي ما يعلم بالاعتصار، خلق هو الآخر غفيرة نزاعات طرحت على القضاء، وتغص أرفف المحاكم بالقضايا التي ترتبط بالطعن في عقود الهبة، تارة ببطلان هذه العقود وتارة أخرى بادعاء الزور.
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي خص إتفاق مكتوب الهبة ب 17 مادة لاغير، فالخطوة خطوة محمودة والتشريع إلتقى للازدياد والحذف والتغيير حسبما سيسفر عنه التطبيق العملي، وهذه المواد من 273 إلى 289 من مدونة الحقوق المادية، وهو الذي سنحاول تسليط الضوء فوق منه.
فالهبة لغة وكما أتى في المنجد في اللغة والإعلام تفيد إعطاء ملكية من دون بدل إتلاف، وقد ورد في مختصر خليل كلامه: ” الهبة تمليك بدون بدل إتلاف ولثواب يوم القيامة صدقة “.
وقد وردت كلمة «وهب» في 12 آية من آيات كتاب الله الخاتم، من هذا كلامه الله سبحانه وتعالى: «العرفان لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق»، «فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين»، «وامرأة مؤمنة إن وهبت ذاتها للنبي»،«ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا».
وقد ابتدأ المشرع مواد إتفاق مكتوب الهبة في مدونة الحقوق الحسية بتعريفه لها في المادة 273 بقوله: “الهبة تمليك مبنى أو حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بلا تعويض”، وهكذا فإن الهبة في مدلول ذلك الدستور تختص بالعقار وبالحقوق الحسية، ولا ترتبط بالمنقول، وهي يعني بها وجه الموهوب له في حياة الواهب، ومن ثم تفترق الهبة عن الصدقة التي تعطى لوجه الله العلي العظيم.
مثلما أن الهبة هدية، فإذا موضوع إتفاق مكتوب الهبة على المقابل، فإن الاتفاق المكتوب قد يكيف على أساس أنه إتفاق مكتوب بيع أو تم عقده معاوضة أو تم عقده تبادل.
والهبة إتفاق مكتوب كسائر العقود لا بد فيها من إيجاب الواهب وقبول الموهوب له، لأن الملكية لا يدخل في ذمة واحد أجدد سوى برضاه ما عدا التملك من خلال الإرث، ولذا الاتفاق المكتوب ينبغي أن تتاح فيه محددات وقواعد صحة العقود المنصوص أعلاها في تشريع الالتزامات والعقود ولا سيما الأهلية وخلو الإرادة من الخلل والنقائص كالإكراه أو التدليس.
ولما كان تم عقده الهبة كان يحرر بين الحين والآخر عن طريق تم تحريره عرفي، ويثور صراع بخصوص صحة ذلك الاتفاق المكتوب، ولقد استلزم المشرع أن يبرم تم عقده الهبة في تم تحريره رسمي، أسفل طائلة البطلان، والمشرع حالَما موضوع على العقوبة ولقد بات ذاك المقتضى من النسق العام لا يمكن مخالفته، ومن الممكن تهييج الدفع بالبطلان في أي طور من أطوار المسطرة ولو في مواجهة محكمة النقض للمرة الأولى.
ويعود في توضيح مفهوم الذي تم تحريره الأساسي والموثق والرسمي إلى الفصل 418 من دستور الالتزامات والعقود، الذي أتى فيه: “الورقة الحكومية هي ما يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في موضع إستقلال الاتفاق المكتوب، ولذا في الطراز الذي يحدده الدستور”، وعلى مرجعية هذا فإن إتفاق مكتوب الهبة يقوم بتحريره الموثقون، والتحول، والمحامون المقبولون للترافع في مواجهة محكمة النقض.
وفي العبارة الثالثة والرابعة من المادة 274 من مدونة الحقوق المادية، أتى المشرع بأحكام حسمت نقاشا طويلا يرتبط بموضوع حيازة المبنى الموهوب، هذا أن أحكام الفقه كانت متشعبة ومعقدة في ذاك الباب، إذ أن قليل من الفقه كان يتشدد في حيازة المبنى الموهوب ولا سيما دار السكنى، ويشترط متعددة محددات وقواعد منها إخلاء المبنى من شواغل الواهب، ومعاينة الإخلاء من طرف عدلين، وغلق المبنى لبرهة سنة، وتلك محددات وقواعد لم تعد مناسِبة مع إزدهار العصر، الذي لا يقبل تجميد الممتلكات، إلا أن إن الشريعة الإسلامية تحفز على نشر وتعميم الملكية واستثماره وتداوله.
وأتى في التحفة بصدد إشتراط إخلاء دار السكنى تصريحه:
وإن يكن مقر سكناه يهب / فإن الإخلاء له حكم وجب
وقد إتخاذ المشرع المغربي بما تمليه غايات الشريعة الإسلامية، وأتى بحل لهذه المعضلة وفرق بين الهبة في المبنى المحفظ والعقار في طور التحفيظ والعقار غير المحفظ، مثلما يتبين أنه إتخاذ بالاجتهاد الذي سار فوق منه المجلس الأعلى المرتبط بحيازة المبنى الموهوب لو أنه محفظا.
وبالتالي إذا انصبت الهبة على مبنى محفظ فإن تقييد تم عقده الهبة في الدفتر العقاري يغني عن الحيازة الفعلية أو المالية لجلالة الملك الموهوب، ولا داعي لإخلائه من طرف الواهب، وأيضا المسألة فيما يتعلق للعقار الذي هو في طور التحفيظ.
ولو كان المبنى غير محفظ فإن إدراج حاجة لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه، وتلك أسلوب وكيفية من حالها أن تدفع ملاك المنشآت غير المحفظة إلى إدخال هذه المنشآت أسفل نهج التحفيظ.
ونشير أن المجلس الأعلى في مرة سابقة له أن اعتبر أن إتفاق مكتوب الهبة لا يكون له وجود فيما يتعلق للعقار المحفظ سوى بتسجيله في الرسم العقاري، في قراره عدد 2614 الصادر بتاريخ 9/7/2006 في الملف المواطن عدد 3144/1/3/2006 أتى في قاعدته: “لئن كانت الهبة في المبنى السهل أو في طور التحفيظ عملا بالفقه الإسلامي لا تنبع سوى بعقد عدلي يشهد فيه العدلان على الواهب بهبة المبنى إلى الموهوب له ومعاينتهما لحوز ذاك الأخير للعقار الموهوب له، فإن الهبة في المبنى المحفظ عملا بالفصلين 66و67 من ظهير التحفيظ العقاري بالإضافة إلى أنها لا تؤسس سوى بعقد رسمي مستوف لعموم المحددات والقواعد فإنه لا يكون لها وجود شرعي سوى بتسجيلها في الرسم العقاري”.
وإن الهبة كباقي العقود يلزم أن تصدر من واحد وصل سن الرشد ويكون كامل الأهلية، أي قادرا على الإجراء بالتفويت في أمواله من دون بدل إتلاف، وأن يكون مالكا للعقار الموهوب وقت الهبة، وسن الرشد 18 سنة شمسية كاملة مثلما هو منصوص فوق منها في المادة 209 من مدونة العائلة، ويعود للمواد من 212 إلى 217 من مدونة العائلة للوقوف فوق المقصود بناقص الأهلية، وعديمها.
ولا إبهام في مقال رضى الهبة من طرف فرد كامل الأهلية وباستطاعته أن التعبير على إرادته بقبول الهبة أو رفضها، في حين الموضوع يتفاوت فيما يتعلق لقبول الهبة من طرف واحد فاقد الأهلية، وهنا نجد المشرع تفاوت بين ثلاث حالات:
– لو أنه الموهوب له فاقد الأهلية، فيقبل الهبة عنه نائبه القانوني.
– إن لم يكن للموهوب له فاقد الأهلية نائب قانوني، عين له القاضي من ينوب عنه في إستحسان الهبة.
– لو أنه الموهوب له ناقص الأهلية فقبوله يحدث صحيحا ولو مع وجود النائب القانوني، سيرا مع قاعدة إستحسان الإجراء الذي فيه هيئة للقاصر أو فعل يدور بين الاستفادة والضرر.
ونص المشرع إلى أن تم عقده الهبة يكون باطلا في ثلاث حالات هي: ظرف الوعد بالهبة، وهبة مبنى الغير وهبة الثروة المستقبل. وصح موقفها ذاك، هذا أن الوعد لا يشكل التزاما قاطعا وقد يتحقق أو لا يتحقق، وأن هبة مبنى مملوك للغير يعد من باب فاقد الشيء لا يعطيه، وأن هبة الثروة المستقبل فيه نمط من الغرر لأن المستقبل متمثل في غيب والغيب علمه لدى الحق سبحانه.
ولو كان الواهب مدينا وديونه تستغرق ثروته، أو مثلما عبر عن ذاك المشرع من كان الدين محيطا بماله فلا تصح هبته، لأنه يتعين فوقه أولا أن يسدد ديونه، وكما قيل روح المدين مضيفة تعليق بالوفاء بديونه، ولذا الشرط عبر عنه في مختصر خليل بقوله: “وبطلت إن تأخر لدين محيط” مثلما أتى في التحفة:
صدقة تجوز سوى مع مرض / وفاة وبالدين المحيط تعترض
وقد في وقت سابق أن تم إصداره من المجلس الأعلى عديدة اجتهادات تخص بعقد الهبة المبرم طوال مرض الهلاك نذكر من هذه الاجتهادات:
الأمر التنظيمي الصادر أسفل عدد 574 تاريخ 24/7/2002 ملف عقاري عدد تسعين/2/1/2002 أتى في قاعدته:” أنه طالما الهالك كان صحيحا طوال التعاقد كامل الدراية فإن الشهادة الطبية المرتبطة بفترات خارجة عن إطار التعاقد لا نفوذ لها، وإن الاستدلال بقول ابن عاصم ” ويثبت الخلل والنقائص أهل المعرفة ” إنما هي تخص بعيوب المبيع وليس بعيوب الإرادة”.
والقرار عدد 620 المؤرخ في 7/عشرة/1997 الملف العقاري عدد 5269/93 أتى في قاعدته: “لا تجوز صدقة السقيم مرض الهلاك وتتعرض للبطلان متى وقفت على قدميها دلائل كافية على إنجازها في مرض الهلاك “.
وقد بين المجلس الأعلى موقفه من إشتراط الأتمية في الأمر التنظيمي عدد 165 بتاريخ 16/3/2005 ملف تشريعي عدد 386/2/1/2003 أتى في قاعدته: “الأتمية التي يضمنها العدلان في الرسم إنما تختص بصحة التعاقد ظاهريا، ولا تثبت خلاص المتصدق بمرض الهلاك الذي يمكن الاستعانة بالأطباء المتخصصين لإثباته”.
وفي المادة 279 من مدونة الحقوق المادية ولقد تعرض المشرع لأحد موانع تدفق تم عقده الهبة، والمانع هنا هو الموت قبل أن يقبل الموهوب له الهبة، فإذا وافته المنية الواهب قبل أن يقبل الموهوب له الملك الموهوب بطلت الهبة، وذلك قضى جلي لأن الإيجاب لم يتطابق مع الموافقة، والعقد لا ينعقد سوى بتطابق الإيجاب مع الاستحسان طوال حياة العاقدين.
وإذا مات الموهوب له قبل أن يقبل الملك الموهوب بطلت الهبة أيضا ولا حق لورثة الموهوب في المطالبة بالهبة، لأن الهبة مثلما ذكرنا غرض بها وجه الموهوب له وليس وجه ورثته.
وقلما يحدث الطعن في تم عقده الهبة الصادرة عن الواهب العاقل الفريد الصحيح من كل نقص وخلل جسما وإرادة، إلا أن المشكل يطرح لما يكون الواهب طريح الفراش ويتكبد من مرض خطير يفضي بالعادة إلى هلاكه، أو مرض لا يدري له دواء أو شفاء، ويود ذاك العليل أن يهب عقارا لشخص أسدى له معروفا، أو كان يعتني به وهو يتكبد من الداء، فهذه الهبة تقع طوال ما يدري بمرض الهلاك، والمشرع في تلك الوضعية أحال على القرارات المرتبطة بالوصية أثناء مرض الهلاك.
وأحكام الوصية ممنهجة بموجب المواد من 277 إلى 314 من مدونة العائلة.
فقد كان المشرع سخيا في وضع عام من حالات الهبة، وهي موقف الواهب الذي وافته المنية وليس له وارث، ووهب قيد وجوده في الدنيا مثلا 1/2 مبنى، واحتفظ بالنصف الآخر، ففي تلك الموقف تصح الهبة في الشيء الموهوب بكامله، أي أن الموهوب له يتملك النصف الآخر من المبنى الذي لم تشمله الهبة، حتى لا يوجد ذاك الثروة مباحا بلا مالك.
وحتى لا يرهق الواهب بتحملات بعدما وهب عقاره وتنازل عنه بلا بنظير فقط لأجل وجه الموهوب له، خسر أعفاه المشرع من الالتزام بضمان الاستحقاق، وأعفاه من ضمان الخلل والنقائص الخفية، وجعل مصاريف تم عقده الهبة ونفقات تسليم الملك الموهوب ونقل ملكيته على عاتق الموهوب له ما لم يحدث الاتفاق على غير ذاك، إلا أن إذا تقاعس الواهب عن تسليم المبنى الموهوب للموهوب له، فعدم الحوز لا يبطل الهبة طالما المتبرع على قيد الحياة ومن الممكن إجباره على هذا، ذلك ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 1565 المؤرخ في 23/4/2008 ملف مدني عدد 3495/1/1/2006.
ولو كان المشرع أعفى الواهب من ضمان الاستحقاق، فإن لجانب من الفقه منظور أحدث، بعلة أن المشرع المغربي ركز على تجهيز شركة التعرض والاستحقاق فيما يتعلق لعقد البيع، ولم يول نفس الرعاية فيما يتعلق لغيره من العقود الأخرى، بل المنشأة التجارية المنوه عنها لا يتحدد ويتوقف نطاقها على تم عقده البيع إلا أن هي تشتمل على كل العقود التي تفضي إلى انتقال المال كالهبة.
والواقع ما نفع عندها مبنى بواسطة الهبة لو أنه ذاك المبنى سيستحق من طرف الغير، أفلا يكون الواهب قد وهب ما ليس لديه، وانقلب تبرعه مصيبة.
وقد عالج المشرع ابتداء من المادة 283 من مدونة الحقوق الحسية نص الاعتصار، أي العودة في الهبة، أو عودة الواهب في هبته، ومعروف أن العودة في الهبة مستهجن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” الراجع في هبته كالكلب الراجع في قيئه”.
ولم يفتح الفقهاء الباب على مصراعيه فيما يتعلق للاعتصار، مثلما أن المشرع حدد الاعتصار في حالتين على طريق الحصر، بحيث لا يمكن القياس عليهما أو الإتساع في تفسيرهما، وهذه الحالتين هما:
– الظرف الأولى: أنه يجوز للأب وللأم أن يعتصرا في حين وهباه لولدهما قاصرا كان أو راشدا، خسر كانت ظرف الاعتصار قاصرة على الوالد، غير أن الفقهاء المحدثين سمحوا للأم بالاعتصار ولم يجدوا أي سبب معقول لهذه التمييز.
– والحالة الثانية: موقف الواهب الذي أمسى عاجزا عن الإنفاق على ذاته أو على من تلزمه نفقته.
فلا يعقل أن يهب فرد عقاره ويصاب بضائقة لا يجد لها مخرجا، ويصبح عاجزا عن تحصيل لقمة عيشه وعيش من برفقته، والموهوب له يتلذذ بالعقار الموهوب له، فقواعد الشريعة الإسلامية ومنها صرف الضرر مقدم على جذب الفائدة، وقاعدة الضرر يزال تقتضي السماح للواهب بالرجوع في هبته وإعادة عقاره حتى يطلع من المصيبة التي يتخبط فيها.
وحتى لا يكون ذلك العودة من ناحية أخرى فيه ضرر على الموهوب له، ويقع على نحو مفاجئ أو قد يساء استخدام تلك الفرصة، ولقد قيد المشرع حق العودة بقيد، والذي هو سقوط الإشهاد بالاعتصار والتنصيص فوق منه في تم عقده الهبة، وأن يقبل الموهوب له هذا الإشهاد، ففي تلك الوضعية يكون الموهوب له، على بينة من احتمال سقوط الاعتصار، ويكون العودة تعاملا متوقعا يحسب له حساب، وتطبق قاعدة الاتفاق المكتوب شريعة المتعاقدين.
وقد خص ذو التحفة الاعتصار بقوله:
والاعتصار جاز في حين يهب / أبناءه قصدا لمحبة الوالد
والأم ما حي والد تعتصر / وإذ جاز الاعتصار يذكر
وأتى في وضح هذين البيتين: «اعتصار عودة الواهب في هيبته مثلما تتيح ولا يعتصر سوى الوالد والأم»
ولذلك خصهما الشيخ خليل فقال بينما يهب الوالد والأم ففهم منه أن غيرهما لا يعتصر فلا يعتصر جد ولا جدة ولا سيطر ولا عمة ولا الصبي من أبيه، فالأب يعتصر ما وهب لنجله الضئيل أو العظيم كان للولد أم أو لم تكن، ما لم يحجب من ذاك عائق، وأما الأم التي تهب في حياة أبيه هبة لنجلها فلها أن تعتصر طالما الوالد حيا، وإلى هذا لفت الشيخ خليل بقوله:
“والأم ما حي والد تعتصر، فإن وهبته عقب مصرع أبيه وهو ضئيل فلا اعتصار لها لأنه يتيم” .
وقد نصت المادة 285 من مدونة الحقوق الحسية على أساس أنه لا يمكن للواهب الاعتصار في الهبة إذا وجد عائق من الموانع التالية:
إذا كانت الهبة من واحد من الزوجين للآخر ما استمرت صلة الزوجية لائحة، لأن العودة في الهبة من حاله أن يفسد الصلة الزوجية.
إذا لقي حتفه الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار، لأن وفاة الواهب لا يمنح الحق للورثة في الاعتصار، ولآن الملك مضى الذمة المادية للواهب، ولم يعتبر عنصرا من مركبات تركته، وإذا وافته المنية الموهوب له انتقل الملك بواسطة الإرث لورثته ولا صلة بين الواهب وورثة الموهوب له.
إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضا مخوفا يخاف بصحبته الوفاة، فإذا زال الداء آب الحق في الاعتصار، لأن بظهور مرض الهلاك يصبح على علاقة حق الورثة بتركته.
إذا تزوج الموهوب له حتى الآن إمضاء إتفاق مكتوب الهبة ومن أجلها، مثلما إذا كان الموهوب له عاجز عن جلَد مصروفات الزواج وقد كانت الهبة سببا في تشجيعه على الزواج وجلَد أعبائه.
إذا فوت الموهوب له الملك الموهوب بكامله، بأن باعه مثلا، فالاعتصار هنا يكون ضارا بحقوق المشتري حسن النية، فإذا اقتصر التفويت على قسم من المبنى جاز للواهب العودة في الباقي.
إذا تناقل الغير مع الموهوب له تداولا ماليا اعتمادا على الهبة، مثلما لو رِجل ذاك المبنى على وجه الضمان أو رهنه رهنا لضمان تأدية الدين.
إذا أدخل الموهوب له تغييرات على الملك الموهوب أسفرت عن مبالغة مأمورية في تكلفته، فمن شأن الاعتصار أن يتسبب في الإثراء من دون تبرير فيما يتعلق للراجع في هبته.
إذا هلك الملك الموهوب في يد الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي.
وتلك الموانع جمعها ذو التحفة في الأبيات اللاحقة:
ولا اعتصار مع وفاة أو مرض / له أو نكاح أو دين توضيح
وفقر موهوب له مــا كانـا / لحظر الاعتصار قـد أبانا
وما اعتصار بيع شيء قد وهب / من غير إشهاد به مثلما ينبغي
وبشأن الاعتصار فللمجلس الأعلى سابقا موقفا يتبين من قراره عدد 151 تاريخ 16/3/2005 الملف القانوني عدد 675/2/1/2003 أتى في قاعدته:
“ليس للأب اعتصار الهبة إذا اشترط عدم العودة فيها، والمحكمة لما اعتبرت تضمين المتبرع تم عقده الهبة عدم العودة فيها في حكم الصدقة من إذ عدم جواز اعتصارها، فإنه ليس بقرارها أي خرق للقواعد الفقهية المنظمة لأحكام الهبة”.
وكما أن الهبة تعقد بالإيجاب والقبول وحضور طرفي الاتفاق المكتوب، فإن الاعتصار لا ينهي في غيبة الموهوب له فلابد من حضوره وموافقته، طبقا لقاعدة لا يقضى في ملكية غائب، ولا ينزع ثروة الغائب، بل يمكن فسخ تم عقده الهبة بحكم قضائي لفائدة الواهب، ومعنى ذاك أن ورثة الواهب لا يحق لهم دعوة فسخ تم عقده الهبة لا أثناء حياة الواهب ولا عقب مماته، وذلك ما يفسره قول المشرع “لفائدة الواهب”.
فإذا حدث العودة في الهبة، فإن الاتفاق المكتوب يفسخ وتعود الوضعية إلى ما كانت فوق منه سابقا ويرد الملك الموهوب للواهب، ولو أنه للعقار غلة ثمار طبيعية أو مدنية فلا يرد الموهوب له هذه الثمار سوى من تاريخ الاتفاق، أو من تاريخ الحكم الختامي في الدعوى.
وقلنا من تاريخ الاتفاق لأن الواهب قد يشترط في إتفاق مكتوب الهبة حقه في الاعتصار، وقد يشترط ايضا شروطا فيما يتعلق لرد الثمار، وعند ذاك تطبق قاعدة الاتفاق المكتوب شريعة المتعاقدين.
وحالَما تنتقل ثروة المبنى للموهوب له، فإنه يسهر على حفظه وصيانته، وينفق في ذاك مصروفات من الممكن أن تكون لازمة ففي تلك الظرف سمح المشرع للموهوب له أن يسترد المصاريف اللازمة التي أنفقها على الملك الموهوب.
وفيما يتعلق تلك المصروفات فرق المشرع بين المصروفات اللازمة والمصاريف المفيدة ومصاريف الزينة، فلو كان قد سمح بإرجاع المصروفات اللازمة، فإن بقية المصاريف لا يرد منها سوى ما ازداد في سعر المبنى، وعند الصراع تعتمد المحكمة على ما بيد الموهوب له من ملفات غير منازع فيها، وإلا تأمر المحكمة بفعل خبرة على المبنى للوقوف فوق الثمن التي أضيفت إليه عقب الهبة.
وقد احتاط المشرع لما قد يتعرض له المبنى من هلاك، فإذا استرجع الواهب الملك الموهوب دون وجه حق، أي دون اهتمام العوامل الوردة في المادة 285 وهلك المبنى في يده فإنه يكون مسؤولا عن ذلك الموت، وإذا امتنع الموهوب له من رد الملك الموهوب إلى الواهب حتى الآن الاعتصار اتفاقا أو بحكم القضائي وبعد تنويه الموهوب له استنادا للعمليات المتبعة، فإنه يكون مسؤولا عن هلاك المبنى.
Originally posted 2021-11-28 21:08:43.